تعالى ، وله التّصرف فيهم كيف يشاء ، ألا ترى إلى قول عيسى عليهالسلام حيث حكى الله تعالى عنه : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) ، جعل العبودية سببا مصححا للتعذيب (١) والمراد أنّهم ملكك ، ولك أن تتصرف فيهم كيف شئت ، فلا ظلم بالنسبة إليه تعالى كيفما يتصرف في عباده ، هذا هو مذهب الحقّ الأبلج ، وما سواه بدعة وضلالة كما ستراه وتعلمه بعد هذا في مبحث خلق الأعمال إنشاء الله تعالى ، وما ذكره من خلق الأسود وتعذيبه بالسواد ، فهذا من باب طامّاته ، وكذا ما ذكره من الامثلة ، فإن هذه الأشياء أعراض خلقت ، ولا يتعلق به ثواب وعقاب ، والأفعال المخلوقة ليست مثل هذه الأعراض لأنّ العبد في الأفعال كاسب ومباشر ، والثّواب والعقاب بواسطة المباشرة كما ستعرف «انتهى».
__________________
القرب والمنزلة ، فسبحانه ما ارحمه وارأفه على عباده حيث لم يبق من سبل النجاة وطرق الفوز الى الرحمة والرضوان الا وقد هيأها لهم والحمد لله رب العالمين.
(١) الآية في سورة المائدة ، وما قبلها قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) الى قوله تعالى : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). فعلم ان المراد تعذيب الذين اتخذوا عيسى وامه الهين ، فالمعنى ان تعذبهم على انهم اتخذوا عيسى وامه الهين فانه حقيق لك وان كان العبد لا يجوز تعذيبه على سيئاته لغير مولاه ، واما أنت فحقيق لك ان تعذبهم فإنهم عبادك ، (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ما ارتكبوه من الذنب المذكور فأنت حقيق ايضا بذلك (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). فتبين ان مفاد الآية جعل العبودية سببا مصححا للتعذيب من حيث انه لا يجوز لغير المولى تعذيب العبد على سيئاته ، لا ان مجرد العبودية سبب مصحح للتعذيب ولو من غير صدور سيئة عن العبد.