__________________
ودون ما إذا استعمل حرا في عمل يستحقه في قبال ما آتاه ما العطايا والنعم. وقد اجرى الله تعالى نفسه على هذه المنزلة فجعل لعباده حقا عليه ان يثيبهم على طاعتهم ويجزيهم بأضعافها من الإحسان ، فقال تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (السباء ٣٧) وقال تعالى : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء ١٢٤) هذه المراتب المتحصلة بينه تعالى وبين عباده قد جعلها لهم من رحمته الواسعة ، (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). واما ما توجه عنه تعالى من التكليف الى العباد فقد جعل فيه شئونا من رحمته. وهي أربعة الاول انه تعالى قد جعل فائدة التكليف عائدة الى العباد ، وليس يعود اليه تعالى نفع من طاعة العباد ، وليس تكليفه لهم على نسق تكليف الموالي واستعمالهم عبيدهم لاستيفاء النفع منهم وان كان التكليف منهم في مورد خاليا عن نفع عائد كان ذلك لأجل الالتذاذ بالاستعلاء واظهار سلطة وسلطنة عليهم ، تعالى عن ذلك كله علوا كبيرا والا فهو تعالى لو كان قد أراد من التكليف شيئا من ذلك لمنع عباده عن ان يتجرءوا عليه بالظلم والمعصية.
الثاني انه تعالى يعين من أراد الطاعة من عباده عليها ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (العنكبوت ٦٩) ، وقال تعالى ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) (يونس ٩). وقال تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (مريم ٧٩). وقال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (محمد ١٧).
الثالث انه تعالى فتح عليهم باب التوبة وجعل الندم هدما للسيئات وفوزا لرضوان الله قال تعالى (هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (الشورى ٢٥).
وقال تعالى : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة ٧٩).
الرابع قد جعل تعالى شأنه لمن ارتحل عن نشأة التكليف حاملا على ظهره ثقلا من الذنوب لم يجعل لنفسه طريقا الى المغفرة بالانابة والتوبة شفاعة الشافعين ، أعدها لمغفرة عباده حيث لم يشملهم المغفرة لعدم بقاء قابلية لهم بأنفسهم لشمولها ، فيشملهم المغفرة بطفيل وجود الشافعين. وحقيقة الشفاعة على ما يستفاد من الاخبار جعل الشفيع الذنب الصادر من المشفوع منتسبا الى نفسه ليغفره المولى لما كان له عند المولى من