__________________
المرتبة الثانية مرتبة الملكية الاعتبارية اعنى المالية. وهي جهة اعتبارية تعرض للأشياء بعد تذوت ذاتها وتحصل ما يقوم بها من اعراضها ، وبالجملة بعد تكون ما كان لها من الحقيقة بحسب الذات والاعراض والأحوال في الخارج. والمالك للعبد بهذه الملكية لا يجوز له عقلا الا استعماله فيما يقدر عليه من الاعمال ، وتعذيبه من غير صدور ذنب منه ظلم في حقه وتعد عليه. وقد نزل الله تعالى نفسه بمقتضى رحمته الواسعة منزلة هذه الموالي الاعتبارية ، كأنه تعالى أعتقهم عن الرقية الذاتية التي يستحيل انسلابها عنهم ولم يبق له الا الملكية الاعتبارية الحاصل نظيرها لبعض العباد على بعضهم ، وهذا كرم عظيم لا يدرك امده ادراك المدركين. ومقتضى هذه المرتبة انه لا يجوز له تعالى تعذيب العباد الا عقوبة لهم على كسب السيئة والاقتحام في المعصية ، وكان تعذيبهم من غير ارتكاب سيئة ظلما لهم وتعديا عليهم ، ولذلك قال تعالى : (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الجاثية ٢٢) وقال تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الانعام ١٦٠) وقد كثر ذكر ذلك في القرآن الكريم في نحو من أربعين آية قد سبق عدها منا في التعاليق السابقة عند التعرض لآيات الجبر والتفويض فراجع.
المرتبة الثالثة مرتبة معاملة الأحرار. وهو جلت عظمته ساق عباده في هذه المرتبة مساق الأحرار ، فلم يطالبهم الا الشكر على ما أعطاهم من النعم. والمطالبة بشكر النعم حق ثابت على الأحرار وليس للعبودية مدخل في ثبوته ومع ذلك لم يطالب منهم الا الشكر اليسير والثناء القليل بما لا يقابل الا نعمة حقيرة من نعمائه العظيمة وآلائه الواسعة التي أسبغها عليهم ظاهرة وباطنة بما لا يبلغها العد والإحصاء ، قال زين العابدين سيد الساجدين على بن الحسين عليهما آلاف التحية والثناء في دعاء له ع : آلائك جمة ضعف لساني عن إحصائها ونعمائك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها فكيف لي بتحصيل الشكر وشكرى إياك يفتقر الى شكر ، فكلما قلت لك الحمد وجب على لذلك ان أقول لك الحمد.
المرتبة الرابعة مرتبة الغمض عن النعم والمعاملة معهم معاملة من استعمل حرا في عمل منه او اعمال ابتداء من غير استحقاقها منه سابقا ، فانه يلزمه ضمانه واثابته بما يقابله من الجزاء ، دون ما إذا استعمل عبدا له ، فانه لا يلزم له على مولاه مثوبة بإزاء عمله ،