هذه الأفعال؟ مع أنّ الواحد منّا لو قيل له : إنك تحبس عبدك وتعذّبه على عدم خروجه في حوائجك ، لقابل بالتكذيب وتبرّأ عن هذا الفعل ، فكيف يجوز أن ينسب إلى ربّه ما يتنزه هو عنه؟ «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : مذهب الأشاعرة أن لا خالق غير الله تعالى ، كما نصّ في كتابه العزيز : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) وهو يعذب العبد على فعل العبد ، لأنّ العبد هو المباشر والكاسب (٢) لفعله وإن كان خلقه من الله تعالى ، والخلق غير الفعل والمباشرة ، ثم إنّه لو عذّب عباده بأنواع العذاب من غير صدور الذنب عنهم ، يجوز له ذلك ، وليس هذا من باب الظلم والجور ، لأنّ الظلم هو التصرف في حق الغير ، ومن تصرف في حقّه بأىّ وجه من وجوه التّصرف ، لا يقال : إنّه ظلم (٣) فالعباد كلّهم ملك الله
__________________
(١) الزمر. الآية ٦٢
(٢) قد مر سابقا أن الالتزام بالكسب الذي اخترعته أرباب القول بالجبر مما لا يسمن ولا يغنى من جوع ، ولا تدفع به التوالي الفاسدة المترتبة على ذلك المبنى.
(٣) تحقيق المقام يقتضى تحصيل المعرفة بالمراتب المتحققة بين الباري جلت عظمته وبين عباده ، فنقول ان هناك اربع مراتب.
المرتبة الاولى مرتبة الملكية الحقيقية المطلقة التامة له تعالى على عباده. والعباد في هذه المرتبة بذواتها مملوكة له تعالى ، والمملوكية له تعالى عين ذواتها وليست ذواتها الا انها له ، فان ذات الوجود الامكانى ليس الا التعلق بالواجب تعالى وانه له ، لا ان له ذاتا ثبت له انه له تعالى والا لزم استغنائه في ذاته عن الواجب تعالى ، ولا دخل في ذاته امر غير كونه لله تعالى والا لزم استغنائه في بعض ذاته عنه. ومقتضى هذه المرتبة جواز تصرفه تعالى فيهم بما شاء من تعذيب وغيره فانه ليس بأعظم من اعدامه رأسا وليس هو بعد الا قطع علقته تعالى عنه ولا يحكم شيء من العقول يكون قطع علقته عن غيره ظلما له وتعديا عليه.