والثاني ما يكون مستلزما للفساد كالسّرقة واللّواطة والرّدّة وأمثالها ، والمنفي عن الله تعالى الشّر بالمعنى الثّاني دون الأوّل ، وأما ثالثا فلأنّ ما ذكره من دعوى الإجماع على بطلان الرّضاء بموت الأنبياء عليهمالسلام أسخف من دعواه الإجماع على إمامة أبي بكر ، نعم موت الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام غير ملائم لطباع أممهم من حيث حرمانهم عن سعادة إرشادهم وشرف صحبتهم ، لا أنّهم لا يرضون بذلك ويعترضون به على الله تعالى كيف؟ والعاقل يعلم أنّ الأصلح بحال الأنبياء عليهمالسلام خلاصهم من مضيق الدّنيا ووصولهم إلى لقاء ربّهم ، وأيضا يمكن أن تكون حكمته تعالى مقتضية لبعث نبيّ آخر ، ويكون الأصلح بحال النّبي الثّاني عدم بقاء الأوّل إلى غير ذلك من المصالح التي لا يهتدي إليها العقل (١) ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره من أنّ التمكين من القبيح قبيح (٢) ، مردود بأنّ القبيح هو التّمكين عن خصوص القبيح ، لكنّه تعالى لم يمكّن المكلّفين عنه فقط ، بل مكّنهم عن كلّ من الحسن والقبيح فأفاض عليهم الوجود وأعطاهم القدرة والإرادة وخلق لهم آلات وفعل الألطاف وأرسل الرّسل ونصب الحجج وأنزل الشّرائع و
__________________
(١) اى عقولنا الناقصة.
(٢) بل نقول : هذه شبهة ركيكة كقول من يقول : التكليف قبيح لأنه لو لا كلفه لما كفر ، وخلق العالم قبيح لأنه لو لا خلق العالم لما كفر ، وكذا لو لا أقدره لما كفر ، ولو لا مكنه من المشتهى لما كفر ، ونحو ذلك من الخرافات ، وتحقيق الأمر في ذلك ان توقف الشيء على الشيء ينقسم الى قسمين ، فما كان المتوقف عليه مؤثرا في المتوقف كان موجبا له كتوقف المعلول على العلة والمسبب على السبب ، وما كان غير مؤثر فيه كتوقف الزوج على الفرد والصورة على لمادة ونحوها لم يكن موجبا له ولا مرجحا ، وتوقف الكفر وساير القبائح على الأقدار المتكين والتكليف من قبيل القسم الثاني فلا يكون شيء منها مؤثرا في الكفر والايمان الطاعة والعصيان بل كل منها على اختيار العبد وجودا وعدما منه «قده».