قال النّاصب خفضه الله
أقول : تقول الأشاعرة نحن نرضى بقضاء الله تعالى كلّه ، والكفر والفواحش والمعاصي والظلم وجميع أنواع الفساد ليست هي القضاء بل هي المقضيّات والفرق بين القضاء والمقضي ظاهر ، وذلك لأنه ليس يلزم من وجوب الرّضا بالشّيء باعتبار صدوره عن فاعله وجوب الرّضا به باعتبار وقوعه صفة لشيء آخر ، إذ لو صحّ ذلك لوجب الرّضاء بموت الأنبياء وهو باطل إجماعا ، والإنكار المتوجّه نحو الكفر إنّما هو بالنّظر إلى المحلّيّة لا إلى الفاعليّة ، وللكفر نسبة إلى الله سبحانه باعتبار فاعليته له وإيجاده إيّاه ، ونسبة أخرى إلى العبد باعتبار محلّيته له واتّصافه به ، وإنكاره باعتبار النّسبة الثّانية دون الاولى ، ثمّ إنّهم قائلون : بأنّ التّمكين على الشّرور من الله تعالى ، والتّمكين بالقبيح قبيح فيلزمهم ما يلزمون به الأصحاب «انتهى».
أقول : حاصل كلام الأشاعرة وما ذكره النّاصب من الفرق بين القضا والمقضي (١) أنّ هاهنا أمرين : قضاء وهو فعل قائم بذات الله تعالى ، ومقضيّ وهو
__________________
(١) وأيضا الفرق بين القضاء والمقضى انما يصح على قول من جعل الفعل غير المفعول ، واما من لم يفرق بينهما فكيف يصح هذا على أصله؟ قال ابن قيم في شرح منازل السائرين : ان القاضي أبا بكر الباقلاني الأشعري أورد على نفسه هذا السؤال فقال : (فان قيل) فالقضاء عندكم هو المقضى أو غيره (قلنا) هو على ضربين فالقضاء بمعنى الخلق هو المقضى لان الخلق هو المخلوق ، والقضاء الذي هو الإلزام والاعلام والكتابة غير المقضى لان الأمر غير المأمور والخبر غير المخبر عنه ، وهذا الجواب لا يخلصه لان الكلام ليس في الإلزام والاعلام والكتابة وانما الكلام في نفس الفعل المقدر المعلم به المكتوب هل مقدره وكاتبه سبحانه راض به ام لا؟ وهل العبد مأمور بالرضا به ام لا وهذا حرف لمسألة (انتهى) منه «قده».