وذلك من جهة أنّه لا قبيح منه (١) ولا واجب عليه ، فلا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب ، وجميع أفعاله تعالى حكمة وصواب ، والفواحش والقبائح صادرة من مباشرة العبد للأفعال ، ولا يلزم من قولنا : لا موثّر في الوجود إلّا الله أن تكون الفواحش والقبائح صادرة عنه ، بل هي صادرة من العبد ومن مباشرته وكسبه ، والله تعالى خالق للأفعال ولا قبيح بالنّسبة إليه ، بل قبح الفعل من مباشرة العبد كما سيجيء في مبحث خلق الأعمال ، فما نسبه إليهم هو افتراء محض ناش من تعصّب وغرض فاسد «انتهى».
أقول : لمّا قال النّاصب : بأنّه إنّما حكموا بأنّ الله تعالى لا يفعل القبيح لأجل أنّه لا قبيح منه تعالى ولا واجب عليه ، فقد اعترف بأنّه يصدر منه تعالى ما يستقبحه العقل كما مرّ ويكفي في الدّليل على أنّهم قائلون بصدور الفحشاء حقيقة ما حكاه الشّارح الجديد للتّجريد من أنّه دخل القاضي عبد الجبّار (٢) دار الصّاحب ابن عباد (٣) فرأى الأستاذ أبا إسحاق الأسفرايني الأشعري فقال : سبحان
__________________
(١) ومن التوالي الفاسدة المترتبة على قول الناصب كون النزاع لفظيا إذ تنفى العدلية صدور القبيح منه تعالى والاشاعرة تقول ما يصدر منه ليس بقبيح ، وأنت خبير بان النزاع معنوي وقام الحرب بين أهل العدل ومخالفيهم ما يقرب من الصدر الاول الى زماننا على ساق واحد وقد الفت وصنفت في هذا المضمار من الطرفين رسائل وكتب ، ومن راجع أدلة الطرفين جزم يكون النزاع معنويا ، فعليه يكون ما وجهه الناصب توجيها بما لا يرضى صاحبه.
(٢) هو المحقق القاضي الشيخ عبد الجبار الهمداني الأسدآبادي قدوة أهل الاعتزال ، توفى سنة ٤١٥ وله تآليف في الأصول والفروع ومناظرات مع العلماء ، وكان شديد الجانب في الاعتزال.
(٣) هو العلامة المحقق الأديب الرئيس الوزير اسماعيل الملقب بالصاحب وكافى الكفاة بن عباد الطالقاني الأصل ، توفى سنة ٣٨٦ ، له تآليف شريفة ، منها بحر المحيط في