وحاصله أنّهم يقولون : باختيار العبد في الأفعال وانّه خالق أفعاله ، وإلا لم يكن تعذيب العبد عدلا عند عدم الإختيار ، ويقولون : بوجوب جزاء العاصي (١) ، وبالحسن والقبح العقليّين وغيرهما ممّا يذكره في هذا الفصل ، ويدّعي أنّ الخروج عن هذا يوجب عدم متابعة نبيّ من الأنبياء ، وهذا دعوى باطلة فاسدة ، ونحن إن شاء الله تعالى نذكر في هذا المبحث كلّ مقالة من قولي الإمامية والأشاعرة على حدّه ، ونذكر حقيقة تلك المسألة قائمين بالإنصاف إن شاء الله.
أقول : سيرى النّاظر إن شاء الله تعالى قيام البرهان على دعاوى الإماميّة ومذاهبهم من السّمع والعقل ، ويدلّ على أنّ أهل العدل والتّوحيد هم القائلون : بما ذكره المصنّف قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٢) الآية ، قال صاحب الكشّاف : إنّ قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) توحيد وقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) تعديل ، فإذا أردفه قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) فقد آذن أنّ الإسلام هو العدل والتّوحيد ، وهو الدّين عند الله ، وما عداه فليس عنده في شيء من الدّين ، وفيه إشارة إلى أنّ من ذهب إلى تشبيه أو إلى ما يؤدّي إليه كإجازة الرّؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام ، وهذا بيّن جليّ كما ترى انتهى ، وللفاضل التفتازاني في حاشيته على الكشّاف هاهنا كلمات قد ألفنا لدفعها رسالة منفردة سمّيناها بانس الوحيد في تفسير آية العدل والتوحيد (٣).
__________________
(١) لا يخفى أن العدلية لا يقولون بوجوب الجزاء في حق العاصي ، بل يرون استحقاقه للعقوبة والاستحقاق لا يستلزم الفعلية فلا مساق للتعبير بالوجوب.
(٢) آل عمران. الآية ١٨.
(٣) وقد شرحها نجل الشارح القاضي السيد علاء الدين شرحا شافيا طبع في الهند.