قدحه في الحسّيات ، وهو أنّ جزم العقل بالحسّيات ليس بمجرّد الحسّ ، بل لا بدّ مع الإحساس من امور تنضمّ إليه ، فتلجئ تلك الأمور العقل إلى الجزم بما يجزم به من الحسّيات ولا يعلم ما تلك الأمور المنضمّة إلى الاحساس الموجبة للجزم ، ومتى حصلت لنا وكيف حصلت؟ فلا تكون الحسّيات بمجرّد تعلق الاحساس بها يقينيّة ، وهذا حقّ لا شبهة فيه ، وقد صرّح سيد المحققين (١) قدسسره في شرحه : بأنّ الحسّيات والبديهيّات هما العمدة في العلوم ، وهما يقومان حجّة على الغير ، أمّا البديهيّات فعلى الإطلاق ، وأمّا الحسيّات فإذا ثبت الاشتراك في أسبابها ، أى فيما تقتضيها من تجربة أو تواتر أو حدس أو مشاهدة «انتهى» ، ولا ريب في أنّ مسألة بقاء الأعراض ممّا شارك فيها جميع العقلاء من الحكماء والإماميّة والمعتزلة ومن تابعهم سوى الأشاعرة الذين هم بمعزل عن الشعور والعقل. وأما ما ذكره من التّمثيل لغلط الحسّ في ماء الفوارة ، فالغلط فيه ظاهر ، لظهور سبب الغلط فيه ، وعدم اشتراك جماعة من العقلاء في إثباته ، بخلاف ما نحن فيه من الجسم وأعراضه ، فانّ السّبب الذي ذكروه في غلط الحسّ عند توارد الأمثال كما في ماء الفوارة ، هو أنّ الحسّ وإن تعلّق بكلّ واحد منها من حيث خصوصه ، لكنّ الخيال لم يستثبت ما به يمتاز كلّ منها عن غيره ، فيخيّل الرائي أنّ هناك أمرا واحدا مستمرا ، ثم العقل الخالص عن مزاحمة الوهم والخيال يجد في ماء الفوّارة اتّصال المدد (٢) ويحكم على غلط الحسّ بأدنى توجّه والتفات ، وليس فيما ذهب إليه النّظام والأشاعرة من تقضّي الأجسام والأعراض وتجدّدها وصول مدد واتّصاله حتّى يتأتى للعقل تجويز الحكم بغلط الحسّ في الحكم بالبقاء ، وكان النّظام والأشاعرة وقعوا في ذلك ممّا قرّره الصّوفيّة
__________________
(١) هو المحقق الشريف الجرجاني في شرحه على المواقف.
(٢) المدد : بضم الميم جمع مدة ، أو بفتح الميم كحجر.