أفعال العباد قولا وفعلا مخلوقة بقدرة العبد أو بقدرة الله ، وكسب العبد والقرآن مخلوق له بلا واسطة قدرة العبد وكسبه ، وتحقيقه : أنّ الله تعالى يعلم جميع المعلومات ، فعلم القرآن في الأزل بأنّه سيوجده بقدرته القديمة في جسم من الأجسام من غير كسب (١) ، بخلاف كلام البشر فانّه عالم في الأزل بأنّه سيوجده البشر بقدرته الحادثة أو بكسبه. وممّا يكسر سورة (٢) استبعاد الخصم : أنّ صفتي السّمع والبصر راجعتان إلى العلم باتّفاق الأشاعرة معنا ، مع أنّهما عدّتا صفتين مستقلّتين متابعة للشّارع حيث أفردهما عن العلم في الذّكر لغاية اهتمامه باثباتهما ، وباعتقاد المكلّفين لاتصافه تعالى بهما.
قال المصنّف رفع الله درجته
المطلب الثاني في أنّ كلامه تعالى متعدّد ، المعقول من الكلام على ما تقدّم أنّه الحروف والأصوات المسموعة ، وهذه الحروف المسموعة إنّما تلتئم كلاما مفهوما إذا كان الانتظام على أحد الوجوه التي يحصل بها الإفهام ، وذلك بأن يكون خبرا أو أمرا أو نهيا أو استفهاما أو تنبيها ، وهو الشّامل للتّمنّي والتّرجي والتّعجب والقسم والنّداء ، ولا وجود له إلا في هذه الجزئيات ، والذين أثبتوا قدم الكلام اختلفوا : فذهب بعضهم إلى أنّ كلامه تعالى واحد مغاير لهذه المعاني ، وذهب آخرون إلى تعدّده ، والذين أثبتوا وحدته خالفوا جميع العقلاء في إثبات شيء لا
__________________
(١) الكسب من مصطلحات الاشاعرة وقد مر شرحه وبيان المراد منه في تعاليقنا السابقة التي ذكرنا فيها الفروق بين الاشاعرة والماتريدية ، وسيجيء في كلام القاضي الشهيد شرحه أيضا.
(٢) السورة بفتح السين المهملة وسكون الواو ، يقال سورة الشيء لحدته وسورة السلطان لسطوته وسورة المجد لأثره وارتفاعه وسورة البرد لشدته.