إذا أردنا تحليله (١) نعبّر عنه بذات له العلم ، مع أنّا نعلم أنّ الذّات غير مأخوذة في معنى العالم وكذا قيام معنى العلم ، امّا أن الذّات غير مأخوذة فلأنّا إذا قلنا زيد عالم نعلم يقينا أنّ زيدا بمنزلة الذات ، وليس المراد بزيد ذات له العلم ، بل المراد زيد له العلم ، وكيف لا؟ وقد استدلوا على ذلك بأنّه لو كان شيء أو ذات مأخوذا في المشتقّ لكان النّاطق مركبا من العرضي ، كما قاله سيّد المحقّقين (٢) : قدسسره في حاشية المطالع ، فيلزم أن لا يصحّ التحديد به ، وفوق هذا كلام : وهو أنّ إطلاق اسم المتكلّم على الفاعل للكلام ثابت في لسان العرب ، بل ولا يطلقون اسم المتكلّم على القائم به الكلام أصلا ، لأنّ الفعل لا يوصف به المفعول ، بل إنّما يوصف به الفاعل كالضّرب مثلا ، فلا يقال : الضّارب لمن وقع عليه الضّرب ، بل لمن فعل الضّرب ، فحينئذ لا يقال المتكلّم من قام به الكلام بل من فعله ، وإلا لكان الهواء متكلّما لقيام الحروف والصّوت به ، وقالوا تكلّم الجنّ : على لسان المصروع (٣) لاعتقادهم أنّ الكلام المسموع من المصروع فاعله الجنّ ، فأسندوه إلى الفاعل لا القائم به ، والأشاعرة لمّا قالوا إنّ الكلام هو المعنى قالوا : معنى كونه متكلما هو قيام ذلك المعنى بذاته ، ثمّ افتروا به على اللّغة. فان قلت الكلام على ما ذكرتموه يرجع إلى القدرة فلا يكون صفة مستقلّة أخرى ، قلت : لا محذور في إرجاعه إلى القدرة وعدّه صفة مستقلّة أخرى ، بناء على فائدة مخصوصة : هي أنّ
__________________
(١) وذلك لا ينافي بساطة المشتق وعدم أخذ الذات في مفهومه كما حققه المتأخرون من الأصوليين والمنطقيين فمعاني المشتقات مفاهيم مجملة في الإدراك الاولى قابلة للتحليل بالتعمل والتأمل.
(٢) هو المحقق الشريف الجرجاني وقد مرت ترجمته.
(٣) الصرع. علة تمنع الأعضاء النفسانية عن افعالها منعا غير تام ، ويقال لمن غشى عليه مصروع.