يتصوّرونه هم ولا خصومهم ، ومن أثبت لله تعالى وصفا لا يعقله ولا يتصوّره هو ولا غيره فكيف يجوز أن يجعل إماما يقتدى به ويناط بكلامه الأحكام؟ «انتهى»
قال النّاصب خفضه الله
أقول : الأشاعرة لمّا أثبتوا الكلام النّفساني جعلوه كسائر الصّفات مثل العلم والقدرة ، فكما أنّ القدرة صفة واحدة تتعلّق بمقدورات متعدّدة ، كذلك الكلام صفة واحدة تنقسم إلى الأمر والنّهى والخبر والاستفهام والنّداء ، وهذا بحسب التّعلق ، فذلك الكلام الواحد باعتبار تعلّقه بشيء على وجه مخصوص يكون خبرا ، وباعتبار تعلّقه بشيء آخر أو على وجه آخر يكون أمرا ، وكذا الحال في البواقي وأمّا من جعل الكلام عبارة عن الحروف والأصوات فلا شكّ أنّه يكون متعدّدا عنده ، فالنّزاع بيننا وبين المعتزلة والإماميّة في إثبات الكلام النّفساني ، فان ثبت فهو قديم واحد كسائر الصّفات ، وإن انحصر الكلام في اللّفظي فهو حادث متعدّد ، وقد أثبتنا الكلام النّفسي فيما سبق ، فطامات الرّجل ليس إلا التّرهات «انتهى.»
أقول : إن أراد بقوله : الكلام صفة واحدة تنقسم إلى الأمر والنّهى «إلخ» أنّ كلامه تعالى جنس لهذه الأمور ، وهذه الأمور أنواع له ، فيلزم من قدمه وحدوثها وجود الجنس بدون أحد الأنواع ، وبطلانه ظاهر ، وإن أراد أنّه أمر معيّن يعرضه هذه الأمور كما يشعر به كلام الشّارح الجديد للتّجريد في تتميم جواب عبد الله بن سعيد (١) حتّى لا يلزم كون تلك الأنواع أنواعا حقيقيّة ، بل تكون
__________________
(١) هو عبد الله بن سعيد بن الحصين الكوفي ، أبو سعيد الاشجّ الحافظ المتوفى سنة ٢٥٧ وكان من كبار القوم فقها ، وحديثا وكلاما ، روى عن عبد السلام بن حرب وأبى