الكافلة لبيان معنى النّفخ والتّسوية في قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (١) (الآية) ، أنّ أمر الظواهر هيّن ، فإنّ تأويلها ممكن ، والبرهان القاطع لا يدرأ بالظاهر ، بل يسلّط على تأويل الظاهر كما في الظواهر التشبيهيّة (ظواهر التشبيه خ ل) في حق الله تعالى «انتهى» هذا. والحق أنّ الحقّ سبحانه وتعالى لا يرى ، فإنّه بالمنظر الأعلى (٢) ، إذ لا يخفى على أحد أنّ نور الشّمس يكاد أن يذهب بالأبصار ، فكيف يقدر الإنسان على مشاهدة نور الأنوار الذي نسبة نور الشّمس إليه كنسبة نور الذّرة إليها ، بل أقلّ منه؟ وأنت خبير بأنّ الهواء لا يرى ، وكذا السّماء للطافتهما ، والظاهر أنّ الله تعالى ألطف (٣) الأشياء ، ولذلك يقول جلّ جلاله في مقام التّمدّج : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فظهر أنّ كونه مرئيّا نقص بالنّسبة إليه تعالى ، كيف لا؟ وقد عرفت مما مرّ أنّ الرّؤية بالبصر سواء كان في الحاضر أو الغائب مشروط بأمور ثمانية ، ومن الشّروط المقابلة أو ما في حكمها والجهة ، وهذان الأمران من اللّوازم المساوية لأخسّ الممكنات أى السّفليات الحسيّة الكثيفة ، لأنّك علمت : أنّ اللّطافة المفرطة مانعة عنها ، وكذا النّور المفرط ، وهو الله سبحانه مستور بحجب الأنوار ومحجوب بسرادقات الجلال والجمال ، فكيف تدركه عيون خفافيش الجهّال؟! تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، وقال جلّ جلاله : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ
__________________
(١) ص. الآية ٧٠. حجر. الآية ٢٩.
(٢) وهو مقتبس من قوله تعالى (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) النجم : الآية ٧.
(٣) لا يخفى أن التعبير من باب ضيق الخناق والا فهو غير مناسب لساحة قدسه تعالى شأنه كما لا يخفى. ثم اطلاق الشيء عليه عزوجل قد ورد في قول مولانا أمير المؤمنين (ع) حيث قال : انه تعالى شيء لا كالأشياء. وكذا في بعض الادعية والروايات المأثورة عن أئمة اهل البيت عليهمالسلام.