يقتصر الأصحاب على أدلة الوقوع مع أنّها تفيد الإمكان أيضا لأنّها سمعيّات ربما يدفعها الخصم بمنع إمكان المطلوب ، فاحتاجوا إلى إثبات الإمكان أوّلا والوقوع ثانيا ، ولم يكتفوا بما يقال : إنّ الأصل في الشيء سيّما ما ورد به الشّرع هو الإمكان ما لم يذد عنه الضّرورة أو البرهان (١) ، لأنّ هذا إنّما يحسن في مقام النّظر والاستدلال دون المناظرة والإحتجاج «انتهى كلامه» ، وقد صرّح بمثله تلميذه الخيالي (٢) في بحث المعاد من حاشية شرح العقائد ، وقال الغزالي (٣) في رسالته المشهورة
__________________
(١) مأخوذ من قول الشيخ الرئيس كل ما قرع سمعك من غرائب الأكوان فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان. والإمكان فيه بمعنى الاحتمال كما حقق في محله.
(٢) الخيالى هو الشيخ أحمد بن موسى الحنفي المتوفى سنة ٨٦٢ وكان مدرسا في مدرسة ازنيق من طرف السلطان العثماني وله تآليف منها حاشية على شرح التفتازاني على العقائد النسفية.
(٣) الغزالي هو العارف العلامة الشيخ محمد بن محمد المشتهر في كتب القوم بحجة الإسلام توفى يوم الاثنين ١٤ جمادى الثانية سنة ٥٠٥ وقيل ٥٠٧ وله تآليف كثيرة أشهرها احياء العلوم في مجلدات ، والغزالي نسبة الى قرية غزالة من قرى طوس وكان شافعى الفروع ، أشعرى الأصول من تلامذة امام الحرمين الجويني. وللمترجم مشرب وذوق مخصوص في العرفان ، امتاز به عن أضرابه كما هو واضح لمن سبر في الاحياء وفي تشيعه خلاف بين ارباب التراجم ، فمنهم من ذهب الى استبصاره في أواخر عمره وتحكى في ذلك قصص ، ومنهم من قال بأنه مات سنيا ، ورأيت في بعض المجاميع المخطوطة أن سبب هدايته مصاحبته في سفر الحج أحد علماء الشيعة وأنه استبصر ببركة صاحبه وترنم بهذا البيت. شعر :
يار بر ما عرض ايمان كرد ورفت |
|
پير گبرى را مسلمان كرد ورفت |
وكتاب سر العالمين مما يمكن استكشاف عقيدته منه والله العالم.