بعض شارحي الكافية على نفى كون «لن» للتّأبيد بالآية المذكورة (١) وأما سابعا فلأنّ ما ذكره من عند نفسه مدخول بأنّه لو سلّم أنّ العرف يفهم من كلمة «لن» التّأبيد في مدّة الحياة فإنّما يسلّم فهم ذلك إذا كان كلّ من المتكلّم بتلك الكلمة والمخاطب له قابلا للفناء ، ولا نسلّم أنّه يفهم ذلك إذا كان المتكلّم بها حيّا أبديّا باقيا سرمديّا كما فيما نحن فيه (فتدبّر). وأما ثامنا فلأنّ ما ذكره من أنّ المراد من قوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) تأييد نفى التّمني في مدّة الحياة للعلم بأنّ اليهود في الآخرة يتمنّون الموت للتخلّص من عذاب الآخرة ، ففيه ما لا يخفى على معاشر العقلاء من أنّ أحدا لا يتمنّى الموت عن صميم القلب وخلوص العقيدة خصوصا في الآخرة التي يعلم كلّ أحد أنّ الحياة فيها أبديّة ، نعم يتمنّون التخلّص عن العذاب بأن يرحمهمالله تعالى ويخلّصهم عن العقوبة بلطفه ، ويعطيهم الحياة أبدا كسائر عباده المؤمنين ، أمّا أنّهم يتمنّونه عن صميم القلب فلا ، كما يشهد به وجدان غير المعاند ، وقد قيل في تفسير قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٢) ، وفي موضع من الكشّاف تصريح بد ، ولو سلّم فنقول نظم الآية ظاهر في التّأبيد ، ولمّا تحقّق أنّهم يتمنّونه في الآخرة علم بهذه القرينة : أنّ المراد التّأبيد بالنسبة إلى أوقات الدّنيا ، فمنع كون «لن» للتّأبيد مطلقا والتّنظير بهذه الآية (٣) محلّ نظر وأما تاسعا فلأنّ ما ذكره في جواب احتجاج العدليّة باستعظام الله تعالى أمر الرّؤية ، ففساده ظاهر ، أما أولا فلأنّ كلّ منصف لا ينكر أنّ العقاب والعتاب
__________________
المؤبد غاية الأمر أن التأبيد له ضروب كضروب الحصر وذلك واضح لمن تدرب واضطلع في علوم البلاغة وكان من فرسان تلك المضامير.
(١) اى قوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ).
(٢) النبأ. الآية : ٤٠.
(٣) اى بآية (لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً).