عن استدلال أهل العدل بقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) من أنّ كلمة «لن» للنّفى المؤكد دون المؤبّد مردود ، بأنّ الحمل على التّأكيد مجاز بدليل سبق الذّهن عند إطلاق هذه اللّفظة إلى التّأييد ، وأيضا الآية دالة على نفى رؤيته تعالى في المستقبل مطلقا ، فلا بدّ لجوازها أو وقوعها في وقت من المستقبل من مخصّص ، ولا مخصّص وما توهّم من تخصيصه بقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) ، مدفوع بأنّ النّظر ليس بمعنى الرّؤية فقط ، بدليل أنّه يثبت عند انتفائها ، فيقال : نظرت إلى الهلال فلم أره وتثبت الرّؤية عند انتفاء النّظر ، فيقال في الله تعالى : راء ولا يقال ناظر ، وتعقّب الرّؤية بالنّظر فيقال : نظرت فرأيت ، ويجعل وصلة للرّؤية فيقال : انظر لعلّك ترى ، ويجعل غاية في الرّؤية ، فيقال : ما زلت أنظر حتّى رأيت وما قيل : من أنّ النّظر إذا قارن (بإلى) أفاد الرّؤية منقوض ، بقوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٢) إلى غير ذلك من الآيات والأشعار المنقولة في هذا المقام من كتب أصحابنا الأعلام في علم الكلام ، على أنّ نفى الإدراك في الآية على الإطلاق ينصرف إلى عموم الأوقات في المستقبل ، فيؤدّي إلى تأبيد النّفى بدلالة الإطلاق لا بدلالة النّافية عند من ينكر التّأييد فيها ثمّ إنّ تأييد لن ثابت بالنّقل (٣) فالمنع في مقابله كما ترى ، نعم إذا دلّ الدّليل على إرادة خلاف الأصل كما في قوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي) (٤) ، وجب العدول ، والحمل على النّفى المؤكّد (٥) في ذلك الموضع لنوع من المبالغة ، فاندفع استدلال
__________________
(١) القيامة. الآية : ٢٢.
(٢) الأعراف. الآية : ١٩٨.
(٣) اى بالنقل من أرباب اللغة.
(٤) يوسف. الآية : ٨٠.
(٥) وأنت خبير بأنه لا يلزم لحملها على النفي المؤكد ح أيضا يلي التحقيق حملها على