والوصول كما اعترفوا به لا يدلّ على أنّ الإدراك بالبصر هو الرّؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي ، ولأنّ أخذ ذلك من أدركت فلانا إذا لحقته ، غير ظاهر ، ولأنّا لا نسلّم صحّة قوله : رأيت القمر وما أدركه بصري ، فلا يثبت ما هو بصدده ، على أنّه معارض بأنّهم يقولون : أدركت الشّمس ولا يريدون رؤيتها من جميع جوانبها ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره من أنّ نفى الإحاطة مدح له تعالى غير مسلّم ، لأنّ السّماء وغيرها من الأجسام العظيمة تشاركه في أنّه لا تحيط بها الأبصار «تأمّل» وما قال الرّازي : من أنّه إنّما يحصل التّمدّح بنفي الرّؤية إذا كانت الرّؤية جائزة عليه ، وكان تعالى قادرا على منع الإبصار عن ذلك ، مدفوع بجريان ذلك في المدح بنفي السّنة والنّوم والصّاحبة والولد وجوابه جوابنا وأما قياسه لذلك على المدح بنفي الظلم والعبث فغير صحيح ، لأنّ المدح هنا راجع إلى الفعل ، وما كان كذلك فلا يتمّ المدح فيه إلا مع القدرة عليه ، ولهذا لا يصحّ المدح بنفي الجمع بين الضدّين ونحو ذلك ، بخلاف ما كان راجعا إلى الذّات فإنّه غير مقدور وأما خامسا فلأنّه إنّ أراد بنفي كون الإدراك في لغة العرب بمعنى العلم أو الإحساس عدم كونهما داخلين تحت مفهوم الإدراك ، فتوجّه المنع عليه ظاهر ، وإن أراد عدم تفسيرهم إيّاه بذلك وإن كان ذلك التّفسير صادقا عليهما فلا يفيد ، فانّ أرباب اللّغة (١) يضعون بعض الألفاظ لمفهومات كلّية صادقة على أفرادها من غير تعقلهم لتفاصيل الأفراد عند الوضع ، بل يكفي عندهم في كون تلك الأفراد أفرادا لبعض المفهومات كونها بحيث يصحّ أن يحكم عليها بذلك ، وهذا حاصل فيما نحن فيه ، وارتكاب التجوّز في وصول العلم إلى المعلوم والإحساس إلى المحسوس ، والرّؤية إلى المرئي مطلقا (٢) مشترك ، وأما سادسا فلأنّ ما ذكره : من جواب الأشاعرة
__________________
(١) المراد بأرباب اللغة وضعة الألفاظ وأهل اللسان لا علماء اللغة بحسب الاصطلاح.
(٢) اى على سبيل الإحاطة وعدمها. منه «قده».