الخمس الظاهرة : إنّها علم بمتعلقاتها فإبصار الذي هو عبارة عن الإدراك بالباصرة يكون علما بالمبصرات ، وليست الرّؤية إلا إدراكا بالباصرة ، فعلى هذا تكون الرّؤية علما خاصا وانكشافا تاما ، غاية الأمر أنّه حاصل من هذه الحاسّة المخصوصة ، فظهر اتّفاق الفريقين على أنّ رؤية الله تعالى التي دلت عليها الأحاديث هي العلم التّام والانكشاف الكامل ، وبقي النّزاع في محلّ حصولها ، فكما يجوز أن يكون محلّ حصول هذه الانكشاف قلبا ، فليجوّز المجوّز أن يكون محلّه عضوا آخر ، هو البصر ، فيرتفع النّزاع بالكليّة والله تعالى أعلم «انتهى كلامه»
أقول : كلّ ما ذكره توهّمات باطلة وتخيلات مموّهة عاطلة ، لا يعود إلى طائل ولا يرجع إلى حاصل أما أولا فلما قد علمت من حال ما أحاله هاهنا على ما أسبقه بقوله (فقد علمت) وقد (١) علمت إذ قد سبق منّا ما حاصله : أنّ أحدنا لا يرى إلا بالحاسّة ، والرّائي بالحاسّة لا يرى إلا ما كان مقابلا كالجسم أو حالا في المقابل كاللّون ، أو في حكم المقابل كالوجه في المرآة ، والله تعالى ليس كذلك ، وقد ذكرنا : أنّ الضّرورة قاضية بذلك ، ولهذا نبادر إلى تكذيب من أخبر بأنّه رأى شيئا ليس كذلك ، كما نكذّب من أخبر بأنّه رأى جسما غير متحرّك ولا ساكن ، وجحد الضّرورة التي حكم بها عقول الحكماء وأهل العدل من الإماميّة والمعتزلة ومن تابعهم غير مستنكر من هذا الشّارح النّاصب وأصحابه ، لأنّ لهم مدخلا عظيما في المكابرة وصناعة التّمويه كما لا يخفى على العاقل النّبيه ، وأما ثانيا فلأنّ ما استدل به من حديث انكشاف الله تعالى على عبده انكشاف القمر ليلة البدر مدفوع بعدم صحّة سنده ، فانّ راويه قيس (٢) بن أبي حازم ، وقد اختلّ عقله في
__________________
(١) لفظة وقد علمت من كلام القاضي «قده».
(٢) قيس بن أبى حازم واسمه حصين بن عوف ، ويقال : عوف بن عبد الحارث ويقال : عبد عوف بن الحارث بن عوف البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي أدرك الجاهلية و