ولو لا أنّ الكتاب غير موضوع لبسط الدّلائل على المدّعيات الصّادقة الأشعريّة بل هو موضوع للرّد على ما ذكر من القدح والطعن عليهم ، لذكرنا من الدّلائل العقليّة على صحّة الرّؤية ، بل وقوعها ، ما تحيّرت فيه ألباب العقلاء لرزانتها (١) ومكان رصانتها ، ولكن لا شغل لنا في هذا الكتاب إلا كسر طامّات ذلك الرّجل ومزخرفاته ، وبالله التّوفيق ثم اعلم أنّه قد سنح لي بعد التّأمّل في مسألة الرّؤية أنّ المنازعة فيها قريبة بالمنازعات اللّفظيّة ، وهذا شيء ما أظنّ سبقني فيه أحد من علماء السّلف ، وذلك أنّ المعتزلة ومن تابعهم من الإماميّة من نفاة الرّؤية يذكرون في معنى الحديث المشهور ، وهو قوله صلىاللهعليهوآله : سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر(٢) ، أنّ المراد الانكشاف التّام العلمي الذي لم يحصل في هذه النّشأة الدّنيوية ، وسيحصل هذا الانكشاف في النّشأة الثانية ، والأشاعرة المثبتون للرّؤية ذكروا : أنّ المراد بالرّؤية حالة يخلقها الله تعالى في الحىّ ، ولا يشترط بضوء ولا مقابلة ولا غيرهما من الشّرائط ، ثمّ ذكر الشيخ الأشعري في إدراكات الحواسّ
__________________
(١) يقال : امرأة رزان ورزينة إذا كانت ذات ثبات ووقار وسكون (والرزانة) في الأصل ، الثقل كما في نهاية ابن اثير وغيره.
(٢) روى في المسند (ج ٢ ص ٣٦٠ ط مصر) قال حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن اسماعيل قال سمعت قيس بن حازم يحدث عن جرير قال كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله الحديث ، وروى ايضا في المسند (ج ٤ ص ٣٦٢ ط مصر) قال حدثنا عبد الله حدثني ابى ثنا يحيى عن اسماعيل حدثنا قيس إلخ ، وروى أيضا في المسند (ج ٤ ص ٣٦٥ ط مصر) حدثنا عبد الله حدثني ابى ثنا وكيع ثنا اسماعيل بن ابى خالد عن قيس بن ابى حازم الحديث ، وكلها تنتهي الى رجل واحد وهو قيس بن ابى حازم ، وسيأتي القدح فيه وعدم صلاحية الحديث المشتمل في المسند على مثل هذا الرجل للاستناد في هذا الأمر الخطير الذي دلت على استحالته البراهين الواضحة النقلية والشواهد المتينة العقلية.