نفيه مدحا ، والرّؤية التي نثبتها ليست إحاطة ، ثم الاستدلال بجواب موسى ، وهو قوله تعالى (لَنْ تَرانِي) لمّا سئل الرّؤية و «لن» لنفى المؤبد فامتنعت الرؤية في حقّ موسى ، ففي حقّ غيره من باب الأولى ، فقد أجاب عنه الأشاعرة بمنع كونه للنّفى المؤبّد ، بل هو للنّفي المؤكّد ، وعندي أنّه للنّفى المؤبّد وهذا ظاهر على من يعرف كلام العرب ، ولكنّ التّأبيد المستفاد منه بحسب مدّة الحياة ، مثلا إذا قال أحد لغيره : لن اكلّمك ؛ فلا شكّ أنّه يقصد التّأبيد في زمان حياته ، لا التّأبيد الحقيقي الذي يشمل زمان الآخرة ، وهذا معلوم في العرف ، فالمراد «ب (لَنْ تَرانِي)» نفى الرّؤية في مدّة الدّنيا ، وهذا لا ينافي رؤية موسى عليهالسلام في الآخرة (١) وكذا في قوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (٢) فإنّ المراد منه تأييد نفى التّمني مدّة الحياة للعلم بأنّ اليهود في الآخرة يتمنّون الموت للتخلّص من عذاب الآخرة. ثمّ ما ذكره : من إعظام الله تعالى سؤال الرّؤية من اليهود في القرآن والذّم لهم بذلك السّؤال ولو جاز ذلك لما استحقّوا الذّم بالسؤال ، فالجواب أنّ الاستعظام إنّما كان لطلبهم الرّؤية تعنّتا وعنادا ، ولهذا نسبهم إلى الظلم ، ولو كان لأجل الامتناع لمنعهم موسى عن ذلك كما منعهم حين طلبوا أمرا ممتنعا ، وهو أن يجعل لهم إلها فلمّا علمت أنّ العقل لا ينافي صحّة رؤية الله تعالى ، والنّصوص لا تدلّ على نفيه ، فقد تحقّقت أنّ ما ادّعاه هذا الرّجل من دلالة الضّرورة والنصّ وتوافقهما على نفي الرّؤية دعوى كاذبة خاطئة ،
__________________
(١) يظهر منه ان الفضل بن روزبهان ممن يقول برؤية الله تعالى في الآخرة وان لم ير في الدنيا وهذا احد مذاهبهم الباطلة في باب الرؤية.
(٢) البقرة. الآية : ٩٥ ، قال المولى حسن الفاضل الچلبى : لا يخفى أن هذه الآية ظاهرة في التأبيد : ولما تحقق أنهم يتمنونه في الآخرة ، علم أن المراد التأبيد بالنسبة الى اوقات الدنيا ونظير هذه الآية آيات أخر.