التّفاسير. وأما ما تكأكأ به (١) من بناء الأشاعرة ذلك على قاعدة جريان العادة ، وأنّ حاصل كلامهم هو أنّ الرّؤية لا تجب عقلا عند تحقّق الشرائط «إلخ» فمع ما سبق من الكلام على هذه القاعدة الميشومة ، مردود : بأنّ عند تحقّق الشّرائط واجتماعها تكون العلّة التّامة للرّؤية متحقّقة ضرورة ، فلو أمكن معها عدم الرّؤية لزم إمكان تخلّف المعلول عن العلّة التّامة (٢) ، وهذا خلف. فظهر أنّ منشأ غلط الأشاعرة عدم الفرق بين ما نحن فيه من المحال (٣) العقلي والمحال العادي ، وأنّ النّاصب المقلّد جرت عادته باعادة كلامهم ، فإن التّخلّف العادي فيما نحن فيه من الرّؤية وأسبابها وشرائطها إنّما يتصوّر : بأن يعدم القادر المختار جميع أجزاء علّتها التّامّة أو بعضها ، ويوجد بدلها معلولا آخر مثلا ، كما قيل في انقلاب الحجر ذهبا ونحوه ، لا أن يوجد ذلك المعلول أعني الرّؤية بعينه بدون علّته التّامة وأما نفيهم للعلّية والمعلوليّة الحقيقيّة بين الحوادث فهو سفسطة أخرى ، أولى بالتّشنيع وأحرى فافهم. واما ما ذكره النّاصب في حاشية جرحه هذا : من أنّه إن أريد من تجويز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة لم نرها ، الحكم بإمكانها الذاتي فهذا عين مذهب الأشاعرة ، وليس يظهر فيه فساد أصلا ، ولا سفسطة فيه قطعا ؛ وإن أريد عدم اليقين بانتفائها وعدم إباء العقل من تحقّقها فهو ممنوع ، إذ عند الرّجوع
__________________
(١) التكاكؤ : الاجتماع.
(٢) ان قلت : ان العلة الثابتة للحوادث عند الأشعري ، هو الواجب تعالى ، لأنه ينفى العلية والمعلولية من الحوادث مطلقا كما مر.
قلت : هذا أصل السفسطة كما مر بيانه. منه «قده».
(٣) لفظة محال من المثلثات ، فبالفتح عود ينصب على حافة البئر وتعلق به البكرة للاستقاء وبالكسر بمعنى القوة والشدة كما في قوله تعالى : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) وبالضم مقابل الممكن والمحال من مادة الحوالة ايضا.