لا يكون سفسطة (١) وحاصل كلام الأشاعرة كما أشرنا إليه سابقا : أنّ الرّؤية لا تجب عقلا عند تحقّق الشرائط ، ويجوّز العقل عدم وقوعها عندها مع كونه محالا عادة ، والخصوم لا يفرقون بين المحال العقلي والعادي ، وجملة اعتراضاته ناشئة من عدم هذا الفرق. ثمّ ما ذكر من الأضواء وتوصيفها والمبالغات فيها فكلّها من قعقعة الشّنآن بعد ما قدّمنا لك البيان «انتهى».
أقول : ما ذكره لإصلاح سفسطة الأشاعرة في هذه المسألة من وقوع خرق العادة في معجزات الأنبياء سيّما ما اتّفقوا عليه من معجزة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ليلة الهجرة بمروره على الكفّار من غير أن يراه أحد منهم لا يصلح لما قصده من الإصلاح.
مصراع : وهل يصلح العطار ما أفسد الدّهر (٢) وذلك لأنّه لا يلزم أن يكون خرق العادة في المعجزة المذكورة بعدم الرّؤية مع وجود الشّرائط ، ولم لا يجوز أن يكون بإحداث حائل من غشاوة غيم أو دخان أو غبار (٣) دفعة ، كما أشار إليه الباري سبحانه في سورة البقرة بقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (٤) وبقوله في سورة يس : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ، فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٥) ومعنى فأغشيناهم : جعلنا على أبصارهم غشاوة وحلنا بينهم وبينه ، كذا في أكثر
__________________
(١) أى القول بإمكانها الذاتي على ما عرفت غير مرة. من الفضل بن روزبهان.
(٢) ما قبلها :
عجوز تمنت ان تكون فتية |
|
وقد يبس الجنبان واحد ودب الظهر |
(٣) او حاجب معنوي غير محسوس كما هو المراد بقوله تعالى في كتابه العزيز : أخذ الله بسمعهم وأبصارهم الآية وكذا نحو المراد من الغشاوة المذكورة في الآية.
(٤) البقرة. الآية ٧.
(٥) يس. الآية ٩.