التخيير بينهما في حال الاضطرار ، فلا دليل على حرمته ، والأصل جوازه ، ولكنّه يحتاج الى إثبات رجحان ذلك فإنّ العبادة مشروطة به ، ومبنى ذلك (١) هو أنّ المكلّف به حينئذ هو أحدهما تخييرا ، لكنّه إذا فعل أحدهما لأجل الامتثال ثمّ فعل الآخر لاحتمال أن يكون هو المراد في نفس الأمر الذي له مصلحة خاصّة وإن لم يكن مطلوبا منه بالخصوص رجاء أن يحصل له تلك المصلحة مع عدم اعتقاد أنّ الجميع من أفراد المأمور به ، فهو إتيان بما يرفع احتمال فوت هذه المصلحة منه. ولمّا كان المستفاد من الكتاب العزيز : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(٢). فلعلّ في هذا الفعل حسنة تذهب السّيئة ، ففعله احتياط بهذا المعنى ، وهو حسن.
__________________
(١) وهو مبنى عدم التّشريع في صورة رجاء المطلوب ، وفي الحاشية لملا محمد تقي الهروي : هذا مبنى الرّجحان على مختاره في عدم وجوب الاحتياط ، وأمّا على ما اخترناه من وجوبه فالمبنى هو انّ الشّىء المعيّن الذي هو الواجب فى الواقع لا يحصل الامتثال به على وجه اليقين إلّا بالفعلين فيكون كل منها راجحا ، بل واجبا من باب المقدمة العلمية ، فيأتي بكلّ منهما بنيّة الاحتياط ورجاء حصول الواجب به ، أي يقصد أنّ الواجب يحصل به أو بصاحبه ، لا يقصد حصوله به بخصوصه ، وحينئذ فلا يلزم تشريع أصلا. وظاهر ما يأتي من المصنّف رحمهالله حيث يقول ، ولقائل انّ يمنع التّشريع ... الخ إلّا أنّ احتمال التّشريع على مختارنا من وجوب الفعلين أقوى ، ولعل وجهه تخيّل أنّ وجوب كل منهما يوجب أن يقصد بكل منها حصول الواجب المعيّن به بخصوصه وهو تشريع. وفيه : أنّه لا يوجب ذلك ، بل مقتضى كون كل منها مقدمة للعلم بحصول الواجب هو ما ذكرناه من أنّه ينوي بكل منهما حصول الواجب به أو بصاحبه أي يأتي بكل منهما لا بالجزم بأنّه الواجب الأصلي المعيّن في الواقع ليلزم التّشريع ، بل رجاء انّه هو ، وهذا ليس تشريعا ، بل ناف للتشريع.
(٢) هود : ١١٤.