ثمّ إنّ بعضهم (١) أسند الى الأخباريين أقوالا أربعة فيما لا نصّ فيه ، وقال : التوقّف وهو المشهور ، والحرمة ظاهرا ، والحرمة واقعا ، ووجوب الاحتياط.
وصرّح بعضهم بأنّ هذه المذاهب فيما إذا احتمل الحرمة وغيرها من الأحكام ، أمّا إذا احتمل الوجوب وغيره سوى الحرمة فهم مثل المجتهدين.
أقول : ولعلّ القائل بالحرمة ظاهرا نظر إلى إفادة الأخبار الدالّة على ترك الشّبهات ، وأخبار التثليث حكم الشّبهة على الظّاهر وإن كان حلالا في الواقع ، بتقريب أنّها حكم الواقعة من حيث إنّها مجهولة لا من حيث هي ، والقائل بها واقعا نظر الى ظاهر الحكم ، فإنّه يفيد الحرمة واقعا ، ولا يخفى ضعفهما بعد ما مرّ.
وأمّا التوقّف والاحتياط فلم أتحقّق الفرق بين مواردهما.
وقال بعض المتأخّرين (٢) : إنّ التوقّف عبارة عن ترك الأمر المحتمل للحرمة ، وحكم آخر من الأحكام الخمسة ، والاحتياط عبارة عن ارتكاب الأمر المحتمل للوجوب ، وحكم آخر ما عدا التحريم كما هو ظاهر موارد التوقّف والاحتياط ، ومن توهّم أنّ التوقّف هو الاحتياط ، فقد سها وغفل.
أقول : المراد بالتوقّف هو السّكوت عن الفتوى في الواقعة الخاصّة وعدم الإذعان بالمطلوبيّة والمبغوضيّة ، والحاصل ، الإذعان بالجهل. ثمّ بعد ذلك فإمّا يحكم بأصالة البراءة والرّخصة ، أو يحكم بلزوم الاحتياط ، فالقول بالتوقّف لا ينفكّ عن أحد القولين.
أمّا عن قول المجتهدين ، فبأن نحملها على التوقّف عن الحكم للواقعة من حيث
__________________
(١) وهو الوحيد راجع رسالة أصالة البراءة من «رسائله الأصولية» ص ٣٥٠.
(٢) وهو الفاضل التوني في «الوافية» ص ١٩٢ في الجواب عن أدلّة وجوب الاحتياط.