ثمّ إنّك بعد ما بيّنا لك سابقا (١) ، لا أظنّك رادّا علينا أمر الاستصحاب في الحكم الشرعيّ بما ذكرنا في هذا المقام ، بأن نقول : يمكن أن يردّ الاستصحاب فيها بمثل ذلك ، ويقال : إنّ الأحكام الواردة في الشّرع إنّما يسلّم جريان الاستصحاب فيها إن ثبت كونها مطلقات ولم تكن مقيّدة الى وقت خاصّ واختفى علينا ، أو ممتدّة الى آخر الأبد ، والذي يجوز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل ، وذلك لأنّ التتبّع والاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت في الشّرع له حدّ ، ليست بآنيّة (٢) ولا محدودة الى حدّ معيّن ، وأنّ الشّارع يكتفي فيها فيما ورد عنه مطلقا في استمراره ، ويظهر من الخارج أنّه أراد منه الاستمرار ، فإنّ تتبّع أكثر الموارد واستقراؤها يحصّل الظّن القويّ بأنّ مراده من تلك المطلقات هي الاستمرار الى أن يثبت الرّافع من دليل عقليّ أو نقليّ.
فإن قيل : فهذا مردود عليك (٣) في حكاية النبوّة.
قلنا : ليس كذلك ، فإنّ الغالب في النبوّة هو التّحديد ، بل إنّما الذي ثبت علينا ونسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه الى الأبد ، هو نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أنّا لا نحتاج في إثباته الى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأنّ نبوّته أيضا مردّدة بين الأمور الثلاثة ، بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النّصوص والإجماع.
__________________
(١) من أنّ استصحاب كل شىء يتبعه في ملاحظة مقدار استعداده وقد رأينا أن الأحكام الشرعية مستمرّة.
(٢) ولما عرفت بأنّها ليست بآنيّة يبقى الإطلاق بمعنى قابلية الاستمرار ، وعند ذلك يمكن إجراء الاستصحاب فيها.
(٣) يعني بمثل ما ذكرناه من إمكان جريان الاستصحاب في الأحكام الشّرعية نقول في النبوّة.