الواضح أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة (١) ، والذي يمكن استصحابه هو النبوّة المطلقة لا مطلق النبوّة ، إذ الكلّيّ لا يمكن استصحابه إلّا بما يمكن من بقاء أقلّ أفراده امتدادا واستعدادا كما ذكرنا (٢).
ولنأت بمثال لتوضيح المقام ، وهو : انّا إذا علمنا أنّ في هذه القرية حيوانا ، ولكن لا نعلم أيّ نوع من الطّيور أو البهائم أو الحشار (٣) والدّيدان ، ثمّ غبنا عنها مدّة ، فلا يمكن لنا الحكم ببقائه في مدّة يعيش فيها أطول الحيوان عمرا ، فترى أنّ الفرس أطول عمرا من الغنم ، والعصافير أطول عمرا من الخطاطيف (٤) ، والفئران من الدّيدان ، وهكذا ، فإذا احتمل عندنا كون الحيوان الذي في بيت خاصّ إمّا عصفور أو فأرة أو دودة (٥) قزّ ، فكيف يحكم بسبب العلم بحصول القدر المشترك باستصحابها الى زمان ظنّ بقاء أطولها أعمارا ، فبذلك بطل تمسّك أهل الكتاب ، إذ على فرض التسليم والتنزّل والمماشاة معهم ، نقول : إنّ القدر الذي ثبت لنا من نبوّتهما هو القدر المشترك بين أحد المقيّدات الثلاثة ، فمع إمكان كونها النبوّة الممتدّة الى زمان نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف يجري الاستصحاب الى آخر الأبد؟
__________________
(١) اعلم ان المطلق هو المقابل للمقيّد فإذا قيل : موسى نبيّ مطلقا اي مستمرا ، والنبي المطلق هو غير المقيّد.
(٢) وقد تعرّض في «الفصول» ص ٣٨٠ الى المذكور ببيان حسن كذلك.
(٣) كان الأولى به أن يقول : الحشرات أو الحشر ، ولا داعي لأن يذكر الدّيدان لأنّها قد تدخل تحت عنوان الحشرات. وحشرة هي الهامّة من هوام الأرض كالخنافس والعقارب والدّابة الصغيرة من دواب الأرض كالفئران والضّباب ، و (عند علماء الحيوان) : كل كائن يقطع في خلقه ثلاثة أطوار أي يكون (بيضة ، فدودة ، ففراشة)
(٤) جمع الخطّاف وهو العصفور الأسود أو قل طائر.
(٥) في نسخة الأصل (دود).