الثالث
، فإنّها وإن كانت واردة في موارد خاصّة ، لكنّ استقراءها والتأمّل فيها يورث الظنّ القويّ بأنّ العلّة في تلك الأحكام هو الاعتماد على اليقين السّابق ، وهذا ليس من القياس في شيء ، بل في كلّ من الرّوايات إشعار بالعليّة لو لم نقل باستقلاله في الدلالة ، فلا أقلّ من أنّه يفيد ظنّا ضعيفا بها ، فإذا اجتمعت (١) الظّنون الضّعيفة فيقوى في غاية القوّة ، ويصدق عليه أنّه ظنّ حصل من كلام الشّارع لا من الترديد أو الدّوران ونحوهما ، وإن شئت جعلته من عموم ظنّ المجتهد الذي أثبتنا حجّيته.
والفرق بينه وبين الدّليل الأوّل أنّ المعتمد في الأوّل الظنّ الحاصل بسبب وجود الحكم في الآن السّابق ، وفيما نحن فيه الظنّ الحاصل من تلك الأخبار ، بأنّ العمل على مقتضى اليقين السّابق لازم وإن لم يكن مظنونا في نفسه ، وبينهما فرق بيّن. فمن الرّوايات قول الصادق عليه الصلاة والسلام في موثّقة عمّار (٢) : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر». وقوله عليهالسلام أيضا (٣) بطرق متعدّدة : «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر».
ووجه انطباقهما على الاستصحاب ظاهر إذا جعلنا المراد أنّ كلّ شيء أو كلّ ماء يحكم بطهارته حتّى يحصل العلم بإصابة ما يعلم أنّه نجس إيّاه ، مثل الشّك في
__________________
(١) في نسخة الأصل (اجتمع).
(٢) وكذا ذكره المصنّف في «جامع الشّتات» ٢ / ٤٧
(٣) «الوسائل» ١ / ١٣٣ ح ٣٢٣ وفيه : إلا ما علمت ، وفي «الوسائل» أيضا و ٢٧ / ١٧٤.