الأوّل
إنّ الوجدان السّليم يحكم بأنّ ما تحقّق وجوده أو عدمه في حال أو في وقت ولم يحصل الظنّ بطروّ عارض يرفعه ، فهو مظنون البقاء ، وعلى هذا الظنّ بناء العالم وأساس عيش بني آدم من الاشتغال بالحرث والتجارة ، وبناء الدّار والبستان ، وإرسال المكاتب الى الأمكنة البعيدة ، والمسافرة الى الجزائر ، والبلاد الواقعة في السّواحل ، والقراض (١) ، وغير ذلك ممّا يرتكبه العقلاء والأزكياء ، من دون لزوم سفه أو منقصة عليهم.
وهذا الظنّ ليس من محض الحصول في الآن السّابق (٢) ، لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، بل لأنّا إذا فتّشنا من الأمور الخارجيّة من الأعدام
__________________
(١) القراض في كلام أهل الحجاز المضاربة ، ومنه حديث الزهري : لا تصلح مقارضة من طعمته الحرام ، يعني القراض كما في «لسان العرب» قال الزّمخشري : أصلها من القرض في الأرض وهو قطعها بالسّير فيها ، وكذلك هي المضاربة أيضا من الضّرب في الأرض.
(٢) وقد وافق في ذلك السيد صدر الدين فقال بعد دعوى رجحان البقاء : إنّ الرّجحان لا بد له من موجب ، لأنّ وجود كل معلول يدل على وجود علّة له إجمالا وليست هي اليقين المتقدّم بنفسه ، لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن أن لا يدوم ، ويشبه أن يكون هي كون الأغلب في أفراد الممكن القار أن يستمر وجوده بعد التحقّق ، فيكون رجحان وجود هذا الممكن الخاص للإلحاق بالأعم الغالب ، هذا إذا لم يكن رجحان الدّوام مؤيّدا بعادة أو أمارة وإلّا فيقوى بهما ، وقس على الوجود حال العدم إذا كان يقينا ، انتهى ، وكلامه قدسسره في تتميم الدّليل يتضمّن دعويين : إحداهما قضاء الوجدان بحصول ظنّ البقاء في موارد الاستصحاب ، وأخراهما كون منشئه الغلبة وكلّ محل بحث. هذا كما أفاد السيد علي القزويني في حاشية.