وأمّا مع تضرّر نفسه بتركه ، فهو أولى بعدم الضّرر.
والحديث يحكم بنفي الضّرر مطلقا ، فلا بدّ من الاكتفاء بأقل الضّررين إذا دار الأمر بينهما وأرجحهما اختيارا ، فلم يظهر وجوب دفع الضّرر عن الجار مع تضرّر نفسه. فلاحظ الرّوايات الواردة في حكاية سمرة فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد الجمع بين الحقّين بأن يستأذن سمرة في الدّخول أو يبيع نخلته بأعلى القيم أو نحو ذلك ، فلم يرض ، فحكم بقطعها ورميها. فإنّ تصرّف سمرة كان في ملكه ولكن بحيث يتضرّر الأنصاريّ ، فظهر أنّ التصرّف في ملكه مع تضرّر الجار إذا أمكن دفعه بحيث لا يتضرّر نفسه ، حرام منفيّ.
نعم ، لو قصد الإضرار فهو حرام مطلقا ، وهو غير ما نحن فيه ، وهو أحد محتملات حكاية سمرة كما يظهر من رواية أبي عبيدة. ففي آخرها قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أراك يا سمرة إلّا مضارّا ، اذهب يا فلان فاقطعها (١) واضرب بها وجهه» (٢).
ولكن سائر الأخبار مطلقة لا يمكن حملها على ذلك ، للإطلاق (٣) ، وظاهر اتّفاقهم على العموم.
بقي الكلام في معنى الضّرر والضّرار. قال ابن الأثير (٤) معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ضرر ولا ضرار : أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقّه. والضّرار فعال ، من الضّرّ ، أي لا يجازيه [بجازية] على إضراره بإدخال الضّرر عليه. والضّرر فعل الواحد ، والضّرار فعل الاثنين ، والضّرر ابتداء الفعل ، والضّرار الجزاء عليه.
__________________
(١) وفي نسخة «الوسائل» فاقلعها.
(٢) «من لا يحضره الفقيه» ٣ / ١٠٣ ح ٣٤٢٣ ، «الوسائل» ٢٥ / ٤٣٧ ح ٣٢٢٧٩.
(٣) فالإطلاق جاء في مقام البيان ، فبعد ذلك لا يمكن حمله على المقيّد.
(٤) كما عن «النهاية في غريب الحديث والأثر» ٣ / ٨١.