وفيه : أنّه إن أراد استفادة ذلك من الرّواية ؛ فهو ممنوع كما ذكرنا (١).
وإن أراد من قاعدة الإتلاف ؛ فهو مع أنّه خروج عمّا نحن فيه ؛ لا وجه للزوم الصّلح وغيره مع الرّجوع الى أهل الخبرة ، لأنّه المحكم شرعا.
ثمّ إنّ ظاهر استدلال الفقهاء في كثير من المواضع يفيد أنّ المراد من الرّواية عدم إضرار الله تعالى بعباده أيضا ، كما يظهر من استدلالهم في إخراج المؤن في الزّكاة بنفي الضّرر ، وبخيار الغبن (٢) في البيع. فإنّ الله تعالى لو جعل البيع لازما حينئذ ، فيلزم منه إضرار عبده ، وهو من إضرار العبيد بعضهم بعضا أيضا (٣) وحينئذ فيكون معنى الرّواية : لم يرض لعباده بضرر ، لا من جانبه ولا من جانب بعضهم لبعض. وهذا معنى ثالث للرواية ، وهو الأظهر بالنّسبة الى الرّواية وبالنّسبة الى العقل وعمل الأصحاب ، وهو نظير (٤) استدلالهم بنفي العسر والحرج.
فإذا انجرّ الكلام الى هنا ، فلا بأس أن نشرح هذا المقام ونبيّن جليّة الحال ، فإنّ كلامهم خال عن بيانه ، ولم نقف في مقالاتهم [مقاماتهم] شيئا في توضيح هذا المقصد وتبيانه ، مع أنّه في غاية الإجمال ونهاية الإشكال.
فنقول : قد تداول العلماء الاستدلال بنفي العسر والحرج ونفي الضّرر في الموارد الكثيرة ، غاية الكثرة ، سواء كان الضّرر والحرج من جانب الله أو من جانب العبد. والآيات والأخبار الدالّة على نفي العسر والحرج كثيرة ، وبعضها
__________________
(١) من عدم دلالة الرّواية على لزوم الجبران.
(٢) وبخيار الغبن معطوف على قوله : في إخراج المؤن ، فقوله : فإنّ الله تعالى ... الخ بيان استدلالهم.
(٣) فإنّ لزوم البيع كما انّه من إضرار الله عبيده وكذلك يكون من إضرار العبيد بعضهم بعضا.
(٤) فإنّ الاستدلال بنفي الضّرر نظير الاستدلال بنفي الحرج.