هو النصّ ، وفي الكلّ نظر.
أمّا الأوّل : فلأنّ العقل يحكم بجواز التمسّك بأصل البراءة إذا لم يثبت دليل على شيء. فإذا فرض كون الاستدلال به موجبا لشغل الذمّة من جهة أخرى ، فلا وجه لمنعه ، لأنّ ذلك (١) دليل أيضا ، وليس ذلك إثبات الحكم من غير دليل. مثلا : إذا شكّ في اشتغال ذمّته بدين عظيم ، وكان له مال يستطيع به الحجّ لولاه ، فالتمسّك بأصالة البراءة عن ذلك الدّين يوجب إيجاب الحجّ عليه ، وذلك غير مخالف لعقل ولا نقل ، بل هو موافق لهما.
وأمّا ما ذكره من الأمثلة التي أوجبت وقوعه في هذا التوهّم ، فكلّها غير منطبقة على مدّعاه.
أمّا الأوّل (٢) : فلأنّ الدّليل قام على وجوب اجتنابهما من النصّ والإجماع ، ولذلك لا يصحّ التمسّك بالأصل.
وأمّا ما لا دليل عليه بالخصوص كالدّرهم الحرام في دراهم محصورة ، فلا دليل على وجوب اجتناب الجميع ، ويمكن جريان الأصل فيه ولا مانع من استلزامه الحكم بوجوب الاجتناب عن الباقي ، سيّما مع ملاحظة الأخبار الواردة فيه كما تقدّم.
__________________
(١) أي كون الأصل دليلا ، فهذا ليس إثبات الحكم من غير دليل.
(٢) إنّ مسألة الإناءين المشتبهين في شبهة محصورة لا ريب في وجوب اجتنابهما بالنصّ والإجماع ولذا يقول بوجوب اجتنابهما حتى من لا يذهب الى وجوب اجتناب الشّبهة المحصورة ، بمعنى أنّ العلم الإجمالي منجّز للتكليف بأنّ أجري في أحدهما بعينه فهو معارض بالآخر ، وإن اجري بأحدهما لا يعينه فهو معارض بآخر لا بعينه ، فقول المصنّف : إنّ النصّ والاجماع أوجبا لعدم جريان الأصل لا أنّه مثبت لحكم شرعي لا يخفى ما فيه لما عرفت.