تنبيه
لا إشكال في جواز إعمال أصل البراءة قبل الشّرع ، سيّما في الأشياء النّافعة الخالية عن المضرّة ، بل العقل يحكم بالإباحة لما مرّ.
وأمّا بعد بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعث الشّريعة ، فلا ريب أنّ المكلّفين يرون كثيرا من المنافع التي لم تبلغ عقولهم الى مضارّها منهيّة عنها ، وكثيرا من الأمور التي لم تبلغ عقولهم الى منافعها وحصول الضّرر في تركها مأمورا بها ، ففيما لم تبلغهم حقيقة الأمر من جهة عدم كونهم مجاورين في خدمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مستمرّين في صحبته يتردّدون في كون ذلك باقيا على حاله الأوّل أو ورد فيه حكم ، فلا يحكم العقل حينئذ بالإباحة جزما ، لخوف الضّرر إلّا بعد الفحص والسّؤال. ثمّ إذا لم يبلغهم شيء بعد ذلك ، فيحكم أيضا بالإباحة والبراءة ، ثمّ تستمرّ هذه السّجيّة الى زمان الغيبة ، بل يصير ذلك فيها أظهر (١) ، فلا يجوز العمل بالأصل من دون فحص لذلك (٢). ولأنّه (٣) يوجب انطواء باب الشّرع في غير الضّروريّات لو بني الأمر
__________________
(١) يصير الفحص والبعث والسّؤال في زمن غيبته عليهالسلام أظهر من زمن ظهوره ، لأنّ أسباب الخلط والاختلال والاشتباه فيه كثير ، بل نقول إنّ العلم الإجمالي باختلاف الأدلة إنمّا حصل في زمن الغيبة دون زمن الحضور ، فمقتضى الفحص في زماننا موجود دون زمن الحضور.
(٢) اي لخوف الضّرر.
(٣) اي عدم لزوم الفحص يوجب نفي الشّرع لأنّ كثيرا من الأحكام الشرعية غير ضرورية وربما يعتبر البعض أكثرها لإجمالها فلا تفيد شيئا ، فلو بني على أصالة البراءة والإباحة لم يبق في الشّرع الشّريف أكثر الأحكام ، هذا دليل آخر للزوم الفحص عند العمل إلّا انّه لا يخفى عليك أنّ هذا الدّليل لا يدل على لزوم الفحص في كل مسألة ، بل يدل على مقدار من المسائل بحيث لو لم تفحص للزم نفي الشّرع.