إنّما يتمّ على القول بعدم اعتبار نيّة الوجه ، ولم يظهر من أدلّة الاحتياط أنّ عدم الاعتبار بنيّة الوجه هو الاحتياط ، مع قطع النّظر عن عدم التمكّن ممّا هو مطلوب في الواقع من الجهات الأخر أيضا ، وصيرورة بعض أجزاء المركّب قطعيّا لا يوجب قطعيّة نفسه ، كما مرّ ذكره مرارا.
هذا مع أنّا بعد ما ورد من الأدلّة القاطعة في أنّ الحكم فيما لم يبلغنا فيه نصّ أو دليل شرعيّ عامّ أو خاصّ ، هو الإباحة كما أشرنا ، فلا يبقى لنا ريبة حتّى ندعه الى ما لا يريبنا.
وكذا فيما تعارض فيه الأمارتان ، فإنّ الأدلّة من العقل والنقل دلّت على أنّ الحكم فيها التخيير أو الإباحة والرّجوع الى أصل البراءة لتساقطهما ، فأين الرّيبة ، مع أنّه لو كان الاحتياط واجبا لم تخل الأخبار الواردة في علاج المتعارضين عن ذكر الاحتياط ، والتي ذكر فيها الاحتياط ليس إلّا قليل منها ، ودلالتها على الوجوب أيضا ممنوعة ، مع أنّه يمكن أن يمنع دلالة الرّواية على المطلوب بأن يقال : الرّيبة هنا بمعنى التهمة ، يعني : دع ما يوجب وقوعك الى التهمة الى ما لا يوجبه.
قال الجوهري (١) : الرّيب : الشّك ، والرّيب : ما رابك من أمر ، والإسم : الرّيبة ـ بالكسر ـ وهي التّهمة والشّك. انتهى.
فيكون مفاد الحديث مفاد قولهم : اتّقوا مواضع التّهم ، مع أنّ الظّاهر عدم الصّحة
__________________
(١) في «الصّحاح» ١ / ١٤١.