|
فقال عزَّ وجلَّ : الم ، والمر ، والر ، والمص ، وكهيعص ، وحمعسق ، وطسم ، وطس ، ويس وما أشبه ذلك لعلّتين أحدهما أنَّ الكفار والمشركين كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله وهو النبيُّ صلىاللهعليهوآله بدليل قوله عزَّ وجلَّ « أنزل الله إليكم ذكراً * رسولاً » (١) وكانوا لا يستطيعون للقرآن سمعا فأنزل الله عزَّ وجلَّ أوائل سور منه اسم الأعظم بحروف مقطوعة هي من حروف كلامهم ولغتهم ولم تجر عادتهم بذكرها مقطوعة فلمّا سموها تعجبوا منها ، وقالوا : نسمع ما بعدها تعجّباً فاستمعوا إلى ما بعدها فتأكّدت الحجّة على المنكرين وازداد أهل الاقرار به بصيرةً وتوقف الباقون شكاكاً لا همّة لهم إلّا البحث عمّا شكوا فيه ، وفي البحث الوصول إلى الحقِّ. والعلّة الاخرى في إنزال أوائل هذه السُور بالحروف المقطوعة ليخصِّ بمعرفتها أهل العصمة والطهارة ، فيقيمون بها الدَّلائل ويظهرون بها المعجزات ، ولم عم الله تعالى بمعرفها جميع النّاس لكان في ذلك ضدَّ الحكمة وفساد التدبير ، وكان لا يؤمن من غير المعصوم أن يدعو بها على نبيٍّ مرسل أو مؤمن ممتحن ، ثمّ لا يجوز أن يقع الاجابة بها مع وعده واتّصافه بأنه لا يخلف الميعاد ، على أنَّه يجوز أن يعطى المعرفة ببعضها من يجعله عبرة لخلقه متى تعدى فيها حده كبلعم بن باعورا حين أراد أن يدعو على كليم الله موسى بن عمران عليهالسلام فأنسى ما كان اوتي من الاسم ، فانسلخ منها ، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه « واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين » (٢) ، وإنّما فعل عزَّ وجلَّ ذلك ليعلم النّاس أنَّه ما اختصَّ بالفضل إلّا من علم أنَّه مستحق للفضل ، وإنّه لم عمَّ لجاز منهم وقوع ما وقع من بلعم. |
__________________
(١) الطلاق : ١١ ـ ١.
(٢) الاعراف : ١٧٥.