لنفسه الفساد ، ومن أصلحها فقد استوجب الصّلاح لبدنه ، وأيُّ فساد أعظم من رفض هذه الرَّعيّة الّتي أنت إمامها والاقامة في هذه الاُمّة الّتي أنت نظامها حاشا لك أيّها الملك أن تخلع عنك لباس الملك الّذي هو الوسيلة إلى شرف الدُّنيا والاخرة ، قال : قد فهمت الّذي ذكرتم وعقلت الّذي وصفتم فإنَّ كنت إنّما أطلب الملك عليكم للعدل فيكم والاجر من الله تعالى ذكره في استصلاحكم بغير أعوان يرفدونني ووزراء يكفونني فما عسيت أن أبلغ بالوحدة فيكم ألستم جميعاً نزعاً إلى الدُّنيا وشهواتها ولذَّاتها ولا آمن أن اخلد إلى الحال (١) الّتي أرجو أن أدعها وأرفضها ، فإن فعلت ذلك أتاني الموت على غرَّة ، فأنزلني عن سرير ملكي إلى بطن الأرض وكساني التراب بعد الدِّيباج والمنسوج بالذَّهب ونفيس الجوهر ، وضمّني إلى الضّيق بعد السّعة ، وألبسني الهوان بعد الكرامة ، فأصير فريداً بنفسي ليس معي أحد منكم في الوحدة ، قد أخرجتموني من العمران وأسلمتموني إلى الخراب ، وخلّيتم بين لحمي وبين سباع الطّير وحشرات الأرض فأكلت منّي النّملة فما فوقها من الهوامّ وصار جسدي دوداً وجيفة قذرة ، الذل لي حليف ، والعز منّي غريب ، أشدُّكم حبّاً إلىَّ أسرعكم إلي دفني ، والتخلية بيني وبين ما قدَّمت من عملي وأسلفت من ذنوبي ، فيورثني ذلك الحسرة ، ويعقبني النّدامة ، وقد كنتم وعدتموني أن تمنعوني من عدوي الضّارَّ فإذا أنتم لا منع عندكم ولا قوَّة على ذلك لكم ولا سبيل ، أيّها الملأ إنّي محتال لنفسي إذ جئتم بالخداع ، ونصبتم لي شراك الغرور (٢)،
فقالوا : أيّها الملك المحمود لسنا الّذي كنّا كما إنّك لست الّذي كنت ، وقد أبدلنا الّذي أبدلك ، وغيرنا الّذي غيّرك ، فلا ترد علينا توبتنا وبذل نصيحتنا ، قال : أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك ومفارقكم إذا خالفتموه ، فأقام ذلك الملك في ملكه وأخذ جنوده بسيرته واجتهدوا في العبادة فخصبت بلادهم وغلبوا عدوّهم وازداد ملكهم حتّى هلك ذلك الملك ، وقد صار فيهم بهذه السّيرة اثنين وثلاثين سنّة فكان جميع ما عاش أربعاً وستّين سنة.
__________________
(١) في بعض النسخ « إلى الدُّنيا ».
(٢) الشرك : آلة الصيد.