وأن يحتقر عمله ونفسه في رأيه لكيلا يدخله عجب ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ قد مدح أهل العقل وذمَّ أهل العجب ، ومن لا عقل له : وبالعقل يدرك كلَّ خير بإذن الله تبارك وتعالى وبالجهل تهلك النفوس ، وإنَّ من أوثق الثقات عند ذوي الالباب ما أدركته عقولهم ، وبلغته تجاربهم ، ونالته أبصارهم في الترك للاهواء والشّهوات ، وليس ذوا العقل بجدير أن يرفض ما قوي على حفظه من العمل احتقاراً له إذا لم يقدر على ما هو أكثر منه ، وإنّما هذا من أسلحة الشيطان الغامضة الّتي لا يبصرها إلّا من تدبّرها ، ولا يسلم منها إلّا من عصمه الله منها ، ومن رأس أسلحته سلاحان أحدهما إنكار العقل أن يوقع في قلب الانسان العاقل أنَّه لا عقل له ولا بصر ولا منفعة له في عقله وبصره ، ويريد أن يصدَّه عن محبة العلم وطلبه ، ويزيّن له الاشتغال بغيره من ملاهي الدُّنيا ، فإن اتّبعه الانسان من هذا الوجه فهو ظفره ، وإن عصاه وغلبه فزع إلى السلاح الاخر وهو أن يجعل الانسان إذا عمل شيئاً وأبصر عرض له بأشياء لا يبصرها ليغمه ويضجزه بما لا يعلم حتّى يبغض إليه ما هو فيه بتضعيف عقله عنده ، وبما يأتيه من الشبهة ، ويقول : ألست ترى أنّك لا تستكمل هذا الامر ولا تطيقه أبداً فبم تعني نفسك وتشقيها فيما لا طاقه لك به ، فبهذا السّلاح صرع كثيراً من النّاس ، فاحترس من أن تدع اكتساب علم ما تعلمه وأن تخدع عمّا اكتسبت منه ، فانّك في دار قد استخوذ على أكثر أهلها الشّيطان بألوان حيله ووجوه ضلالته ، ومنهم من قد ضرب على سمعه وعقله وقلبه فتركه لا يعلم شيئاً ، ولا يسأل عن علم ما يجهل منه كالبهيمة ، وإن لعامّتهم أدياناً مختلفة فمنهم المجتهدون في الضّلالة حتّى أنَّ بعضهم ليستحلّ دم بعض وأموالهم ، ويمّوه ضلالتهم بأشياء من الحقِّ ليلبس عليهم دينهم ، ويزيّنه لضعيفهم ، ويصدّهم عن الدِّين القيّم ، فالشّيطان وجنوده دائبون في إهلاك النّاس ، وتضليلهم لا يسأمون ، ولا يفترون ولا يحصى عددهم إلّا الله ، ولا يستطاع دفع مكائدهم إلّا بعون من الله عزَّ وجلَّ والاعتصام بدينه ، فنسأل الله توفيقاً لطاعته ونصراً على عدوِّنا ، فإنه لا حول ولا قوَّة إلّا بالله.