بعدها ، والملك الّذي لا زوال له ، هي دار البقاء ، ودار الحيوان ، الّتي لا انقطاع لها ، ولا تغيّر فيها ، رفع الله عزَّ وجلَّ عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشّقاء والنصب والمرض والجوع والظمأ والموت ، فهذه صفة ملك الاخرة وخبرها أيّها الملك.
قال الملك : وهل تدركون إلى هذه الدَّار مطلبا وإلى دخولها سبيلاً؟ قال الوزير : نعم هي مهيّأة لمن طلبها من وجه مطلبها ، ومن أتاها من بابها ظفر بها ، قال الملك : ما منعك أن تخبرني بهذا قبل اليوم؟ قال الوزير : منعني من ذلك إجلالك والهيبة لسلطانك ، قال الملك : لئن كان هذا الامر الّذي وصفت يقيناً فلا ينبغي لنا أن نضيعه ولا نترك العمل به في إصابته ، ولكنّا نجتهد حتّى يصح لنا خبره ، قال الوزير : أفتأمرني أيّها الملك أن أو اظب عليك في ذكره والتكرير له؟ قال الملك : بل آمرك أن لا تقطع عنّي ذكره ليلاً ولا نهاراً ، ولا تريحني ولا تمسك عني ذكره فإنَّ هذا أمر عجيب لا يتهاون به ، ولا يغفل عن مثله ، وكان سبيل ذلك الملك والوزير إلى النجاة.
قال ابن الملك : ما أنا بشاغل نفسي بشيء من هذه الأُمور عن هذا السّبيل ولقد حدَّثت نفسي بالهرب معك في جوف اللّيل حيث بدالك أن تذهب.
قال بلوهر : وكيف تستطيع الذِّهاب معي والصّبر على صحبتي وليس لي جحر يأويني ، ولا دابّة تحملني ، ولا أملك ذهباً ، ولا فضّة ، ولا أدَّخر غذاء العشاء ولا يكون عندي فضل ثوب ، ولا أستقرُ ببلدة إلّا قليلا حتّى أتحوَّل عنها ولا أتزوَّد من أرض إلى أرض أخري رغيفاً أبداً.
قال ابن الملك : إنّي أرجو أن يقوِّيني الّذي قوّاك ، قال بلوهر : أمّا إنّك أن أبيت إلّا صحبتي كنت خليقاً أن يكون كالغني الّذي صاهر الفقير.
قال يوذاسف : وكيف كان ذلك؟ قال بلوهر : زعموا أنَّ فتى كان من أولاد الاغنياء فأراد أبوه أن يزوجه ابنة عمٍّ له ذات جمال ومال ، فلم يوافق ذلك الفتى ولم يطلع أباه على كراهته حتّى خرج من عنده متوجّهاً إلى أرض أخري ، فمرَّ