قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

كمال الدّين وتمام النّعمة

كمال الدّين وتمام النّعمة

586/686
*

منه ، فقال الملك : لئن أنا هجمت منه على هذا لم أسأل عمّا سواه ، فلمّا أدخل عليه الوزير قال له الملك : إنّك قد عرفت حرصي على الدُّنيا وطلب الملك وإنّي قد ذكرت ما مضى من ذلك فلم أجد معي منه طائلاً ، وقد عرفت أنَّ الّذي بقي منه كالذي مضي فإنه يوشك أن ينقضي ذلك كلّه بأجمعة فلا يصير في يدي منه شيء ، وأنا اريد أن أعمل في حال الاخرة عملاً قويّاً على قدر ما كان من عملي في الدُّنيا ، وقد بدا لي أنَّ الحق بالنساك واُخلّي هذا العمل لأهله فما رأيك؟ قال : فرَّق الوزير لذلك رقّة شديدة حتّى عرف الملك ذلك منه ، ثمّ قال : أيّها الملك أن الباقي وإن كان عزيزا لاهل أن يطلب ، وإن الفاني وإن استمكنت منه لاهل أن يرفض ، ونعم الرأي رأيت ، وإني لارجو أن يجمع الله لك مع الدُّنيا شرف الاخرة ، قال : فكبر ذلك على الملك ووقع منه كلّ موقع ولم يبدله شيئاً غير أنَّ الوزير عرف الثقل في وجهه فانصرف إلى أهله كئيباً حزيناً لا يدري من أين اتي ولا من دهّاه (١) ولا يدري ما دواء الملك فيما استنكر عليه فسهر لذلك عامّة اللّيل ، ثمّ ذكر الرَّجل الّذي زعم أنَّه يرتق الكلام فأرسل إليه فاُتي به فقال له : إنّك كنت ذكرت لي ذكراً من رتق الكلام فقال الرَّجل أجل فهل احتجت إلى شيء من ذلك؟ فقال الوزير : نعم اخبرك إنّي صحبت هذا الملك قبل ملكه ومنذ صار ملكاً فلم أستنكره فيما بيني وبينه قط لمّا يعرفه من نصيحتي وشفقتي وإيثاري إيّاه على نفسي وعلى جميع النّاس ، حتّى إذا كان هذا اليوم استنكرته استنكاراً شديداً لا أظنُّ لي خيراً عنده بعده ، فقال له الرَّاتق : هل لذلك سبب أو علّة ، قال الوزير : نعم دعاني أمس وقال لي كذا وكذا فقلت له كذا وكذا ، فقال : من ههنا جاء الفتق وأنا وأرتقه إن شاء الله.

إعلم أنَّ الملك قد ظن أنّك تحب أن يتخلّى هو عن ملكه وتخلفه أنت فيه فإذا كان عند الصّبح فاطرح عنك ثيابك وحليتك وألبس أوضع ما تجده من ذي النّسّاك وأشهره ، ثمّ احلق رأسك وامض على وجهك إلى باب الملك فإنَّ الملك سيدعوبك ويسألك عن الّذي صنعت فقل له : هذا الّذي دعوتني إليه ولا ينبغي لأحد أن يشير

__________________

(١) في بعض النسخ « ما دهاه ».