وأنا لا أحلّها من طرف كمّي ، فبينا أنا في البيت نائمٌ إذ انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً وكان كمي قد امتلأت دماً عبيطاً ، فجلست وأنا أبكي وقلت : قتل والله الحسين والله ما كذبني عليٌّ قطٌّ في حديث حدَّثني ولا أخبرني بشيء قطُّ أنَّه يكون إلّا كان كذلك لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره ، ففزعت وخرجت وذلك [ كان ] عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنّها ضباب (١) لا يستبين فيها أثر عين ، ثمَّ طلعت الشمس فرأيت كأنّها كاسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك وقلت ، قتل والله الحسين ، فسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول :
اصبـروا آل الرَّسول |
|
قُتل الفرخ النحول (٢) |
نزل الـرُّوح الاميـن |
|
ببـكاء وعويـل |
ثمَّ بكى بأعلى صوته وبكيت وأثبّت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرَّم ويوم عاشوراء لعشر مضين منه فوجدته يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدَّثت بهذا. الحديث اولئك الّذين كانوا معه فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة لا ندري ما هو ، فكنا نرى أنَّه الخضر صلوات الله عليه وعلى الحسين ، ولعن الله قاتله والمشيّع عليه.
وقد روى أنَّ حبابة الوالبيّة لقيت أمير المؤمنين عليهالسلام ومن بعده من الائمّة عليهمالسلام وأنّها بقيت إلى أيّام الرِّضا عليهالسلام فلم ينكر من أمرها طول العمر فكيف ينكر القائم عليهالسلام.
__________________
(١) اليوم صار ذا ضباب ـ بالفتح ـ أي ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان.
(٢) النحول : الهزال. وفي بعض النسخ « المحول » ولعل المراد العطشان لأنّ المحل : انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء.