إنه قد خرج متنزِّها وركب زورقاً في الدِّجلة يشرب ومعه المغنون ، قال : فتشاور القوم (١) فقالوا : هذه ليست من صفة الامام ، وقال بعضهم لبعض : امضوا بنا حتّي نردَّ هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميريُّ القمّيُّ : قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرَّجل ونختبر أمره بالصحّة.
قال : فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا : يا سيّدنا نحن من أهل قمّ ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ الأموال فقال : وأين هي؟ قالوا : معنا ، قال : احملوها إليَّ ، قالوا : لا ، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً ، فقال : وما هو؟ قالوا : إنَّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدِّينار والدِّيناران ، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه وكنّا إذا وردنا بالمال على سيّدنا أبي محمّد عليهالسلام يقول : جملة المال كذا وكذا ديناراً ، من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا حتّى يأتي على أسماء النّاس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش ، فقال جعفر : كذبتم تقولون على أخي ما لا يفعله ، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلّا الله.
قال : فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال لهم : احملوا هذا المال إليَّ ، قالوا : إنّا قوم مستأجرون وكلاء لارباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات الّتي كنا نعرفها من سيّدنا الحسن بن عليٍّ عليهماالسلام فإن كنت الامام فبرهن لنا وإلّا رددناها إلى أصحابها ، يرون فيها رأيهم.
قال : فدخل جعفر على الخليفة ـ وكان بسرّ من رأى ـ فاستعدى عليهم ، فلمّا احضروا قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر ، قالوا : أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون وكلاء لارباب هذه الأموال وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة ، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليٍّ عليهماالسلام.
__________________
(١) في بعض النسخ « فتثور القوم ».