|
بالسويّة ، ويحكمون بالعدل ، ويتواسون ويتراحمون ، حالهم واحدة ، وكلمتهم واحدة ، وقلوبهم مؤتلفة ، وطريقتهم مستقيمة ، وسيرتهم جميلة ، وقبور موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم وبيوتهم ، وليس لبيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء ، وليس بينهم قضاة ، وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يستبّون ولا يقتتلون ، ولا تصيبهم الافات. فلمّا رأى ذلك من أمرهم ملئ منهم عجباً ، فقال : أيّها القوم أخبروني خبركم فإنّي قد درت الأرض شرقها وغربها وبرَّها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم ألق مثلكم (١) ، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أفنيتكم وعلى أبواب بيوتكم؟ قالوا : فعلنا ذلك عمداً لئلّا ننسى الموت ، ولا يخرج ذكره من قلوبنا. قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ فقالوا : لأنّه ليس فينا لصٌّ ولا ظنين (٢) ، وليس فينا إلّا الامين ، قال : فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا : لأنّنا لانتظالم ، قال : فما بالكم ليس بينكم حكّام؟ قالوا : لاننا لا نختصم ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا : لأنّنا لا نتكاثر ، قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا : لانَّنا لا نتنافس ، قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ، قالوا : من قبل أنّا متواسون متراحمون ، قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا ، قال : فما بالكم لا تستبّون ولا تقتتلون؟ قالوا : من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم ، وسسنا أنفسنا بالحلم ، قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا : من قبل أنّا لا |
__________________
(١) في بعض النسخ « فلم أر مثلكم ».
(٢) في بعض النسخ « ليس فينا لص ولا خائن ».