|
يقذفه إليهم السحاب فيعيشون به عيشاً خصباً ويصلحون عليه ويستمطرونه في إبّانه (١) كما يستمطر النّاس المطر في إبّان المطر ، وإذا قذفوا به خصبوا وسمنوا وتوالدوا وكثروا وأكلوا منه حولاً كاملاً إلى مثله من العام المقبل ، ولا يأكلون معه شيئاً غيره ، وهم لا يحصى عددهم إلّا الله عزّ وجلّ الّذي خلقهم ، وإذا أخطأهم التنين قحطوا وأجدبوا وجاعوا وانقطع النسل والولد ، وهم يتسافدون كما تتسافد البهائم (٢) على ظهر الطريق وحيث ما التقوا ، وإذا أخطأهم التنين جاعوا وساحوا في البلاد ، فلا يدعون شيئاً أتوا عليه إلّا أفسدوه وأكلوه ، فهم أشدُّ فساداً فيما أتوا عليه من الأرض من الجراد والبرد والافات كلّها ، وإذا أقبلوا من أرض إلى أرض جلا أهلها عنها وخلوها ، وليس يغلبون ولا يدفعون حتّى لا يجد أحدٌ من خلق الله تعالى موضعاً لقدمه ، ولا يخلو للانسان قدر مجلسه ، ولا يدري أحدٌ من خلق الله أين أوّلهم وآخرهم (٣) ، ولا يستطيع أحدٌ من خلق الله أن ينظر إليهم ولا يدنو منهم نجاسةً وقذراً وسوء حلية ، فبهذا غلبوا ولهم حسٌّ وحنين (٤) ، إذا أقبلوا إلى الأرض يسمع حسّهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم ، كما يُسمع حسُّ الرِّيح البعيدة ، أو حسُّ المطر البعيد ولهم همهمة إذا وقعوا في البلاد كهمهمة النحل إلّا أنَّه أشد وأعلا صوتا ، يملا الأرض حتّى لا يكاد أحد أن يسمع من أجل ذلك الهميم شيئاً ، وإذا أقبلوا إلى أرض حاشوا وحوشها كلّها وسباعها حتّى لا يبقى فيها شيء منها ، وذلك لأنّهم يملؤونها ما بين أقطارها ولا يتخلّف وراءهم من ساكن الأرض شيء فيه روح إلّا اجتلبوه من قبل أنّهم أكثر من كلّ شيء ، |
____________
(١) ابانه أي وقته. وفي بعض النسخ « في أيّام المطر ».
(٢) السفاد : النكاح.
(٣) في بعض النسخ « كم من أوّلهم إلى آخرهم ».
(٤) الحس والحسيس : الصوت الخفي. والحنين : الصوت الجلي.