غنم أبيه يرعاها فاشتدَّ الحرب وأصاب النّاس جهد ، فرجع أبوه وقال لداود : احمل إلى إخوتك طعاماً يتقوّون به على العدوِّ ، وكان عليهالسلام رجلاً قصيراً قليل الشعر طاهر القلب ، أخلاقه نقيّة ، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كلُّ واحد منهم إلى مركزه ، فمرَّ داود عليهالسلام على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع : يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإنّي إنّما خلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مخلاته الّتي كانت تكون فيها حجارته الّتي كان يرمي بها غنمه ، فلمّا دخل العسكر سمعهم يعظّمون أمر جالوت ، فقال لهم : ما تعظّمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنّه ، فتحدِّثوا بخبره حتّى أدخل على طالوت فقال له : يا فتى ما عندك من القوَّة وما جرَّبت من نفسك؟ قال : قد كان الاسد يعدوا على الشاة من غنمي فادركه فآخذ برأسه وأفكُّ لحييه عنها فاخذها من فيه ، وكان الله تبارك وتعالى أوحى الله إلى طالوت أنَّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها ، فدعا بدرعه فلبسها داود عليهالسلام فاستوت عليه فراع (١) ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل فقال : عسى الله أن يقتل به جالوت ، فلمّا أصبحوا والتقى النّاس قال داود عليهالسلام : أروني جالوت فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكَّ به بين عينيه فدمغه (٢) وتنكّس عن دابته فقال النّاس : قتل داود جالوت ، وملّكه النّاس (٣) حتّى لم يكن يسمع لطالوت ذكر ، واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزَّبور وعلّمه صنعة الحديد فليّنه له (٤) وأمر الجبال والطّير أن تسبح معه ، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حسناً ، وأعطاه قوَّه في العبادة. وأقام في بني إسرائيل نبيّاً.
وهكذا (٤) يكون سبيل القائم عليهالسلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزَّ وجلَّ فناداه اخرج يا وليَّ الله فاقتل أعداء الله ، وله سيف
__________________
(١) أي أعجب من راعه يروعه أي أفزعه وأعجبه.
(٢) دمغه أي شجه حتّى بلغت الشجة الدماغ.
(٣) أي عدوه ملكاً لهم ، وفي بعض النسخ « وملكه الله عزَّ وجلَّ النّاس ».
(٤) قالوا إنّما كشف ذوب الحديد قبل ميلاد المسيح بالف سنة وهو زمان داود عليهالسلام. ويسمونه عصر الحديد وفي التنزيل : « وألنا له الحديد ».
(٤) كلام المؤلف.