فأبى أن يأخذ من امرأة منهنَّ ثدياً ، قال امرأة فرعون : اطلبوا لابني ظئراً ولا تحقّروا أحداً ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنَّ ، فقالت اُمّ موسى لاخته : قصّيه (١) انظري أترين له أثراً ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك فقالت : قد بلغني أنّكم تطلبون ظئراً وههنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفّله لكم ، فقالت : ادخلوها ، فلمّا دخلت قالت لها امرأة فرعون : ممّن أنت؟ قالت : من بني إسرائيل قالت : اذهبي بابنيّة فليس لنا فيك حاجة ، فقلن لها النّساء : انظري عافاك الله يقبل أولا يقبل ، فقالت امرأة فرعون : أرأيتم لو قبل ها يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ فلا يرضى قلن : فانظري يقبل أولا يقبل ، قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها ، فجاءت إلى اُمّها وقالت : أنَّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ، ثمّ ألقمته ثديها فازدحم اللّبن في حلقه ، فلمّا رأت امرأة فرعون أنَّ ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت : إنّي قد أصبت لابني ظئراً وقد قبل منها ، فقال : ممّن هي؟ قالت : من بني إسرائيل قال : فرعون هذا ممّا لا يكون أبداً ، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني اسرائيل فلم تزل تكلّمة فيه وتقول : ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشؤ في حجرك حتّى قلبته عن رأيته ورضي.
فنشأ موسى عليهالسلام في آل فرعون وكتمت اُمّه خبره واخته والقابلة ، حتّى هلكت اُمّه والقابلة الّتي قبلته ، فنشأ عليهالسلام لا يعلم به بنو إسرائيل قال : وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره ، قال : فبلغ فرعون أنّهم يطلبونه ويسألون عنه ، فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم ، وفرَّق بينهم ونهاهم عن الأخبار به والسؤال عنه ، قال : فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده عليم فقالوا : قد كنّا نستريح إلى الاحاديث فحتّى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء؟ قال : والله إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجييء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طوال جعد فبينماهم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتّى وقف عليهم ، فرفع الشيخ
__________________
(١) يعني اتبعيه ، يقال : قص الاثر واقتصه إذا تبعه.