قد جاء اسما وصفة ، نحو حضمّة وغلبّة ، وقالوا قمدّ ، فلو قال قائل : إنه أفعلة ، والهمزة فيه زائدة ، مثل أبلمة وأسنمة ، لكان قولا.
وذهب أبو بكر في ذلك إلى الوجه الأول ، كأنه لما رأى فعلّة أكثر من أفعلة ، كان عنده أولى من الحكم بزيادة الهمزة ، لقلّة أفعلة ، ولمن ذهب إلى الوجه الآخر أن يحتج بكثرة زيادة الهمزة أولا. وقالوا للفدرة من التّمر الأبلّة. قال الشاعر ، وهو أبو المثلّم الهذلي :
فيأكل ما رضّ من زادنا ، |
|
ويأبى الأبلّة لم ترضض |
وهذا أيضا فعلّة ، من قولهم طير أبابيل ، فسّره أبو عبيدة جماعات في تفرقة ، فكما أن أبابيل فعاعيل وليست بأفاعيل ، كذلك الأبلّة فعلّة وليست بأفعلة.
وحكي عن الأصمعي في قولهم الأبلّة التي يراد بها اسم البلد : كانت به امرأة خمّارة تعرف بهوب في زمن النبط ، فطلبها قوم من النبط ، فقيل لهم : هوب لاكا ، بتشديد اللام ، أي ليست هوب ههنا ، فجاءت الفرس فغلّظت ، فقالت : هو بلّت ، فعرّبتها العرب فقالت : الأبلّة.
وقال أبو القاسم الزّجّاجي : الأبلّة الفدرة من التّمر ، وليست الجلة كما قال أبو بكر الأنباري. إن الأبلّة عندهم الجلة من التّمر ، وأنشد ابن الأنباري :
ويأبى الأبلّة لم ترضض
وقرئ بخط بديع الزمان بن عبد الله الأديب الهمذاني في كتاب قرأه على أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي وخطّه له عليه : سمعت محمد بن الحسين بن العميد يقول سمعت محمد بن مضا يقول سمعت الحسن بن علي بن قتيبة الرازي يقول سمعت أبا بكر القاري يقول : الأبلّة ، بفتح أوله وثانيه ، والأبلّة بضم أوله وثانيه ، هو المجيع. وأنشد البيت المذكور قبل ، والمجيع : التّمر باللبن.
والأبلّة بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة ، وهي أقدم من البصرة ، لأن البصرة مصّرت في أيام عمر ابن الخطّاب ، رضي الله عنه ، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى ، وقائد ، وقد ذكرنا فتحها في سبذان.
وكان خالد بن صفوان يقول : ما رأيت أرضا مثل الأبلة مسافة ، ولا أغذى نطفة ، ولا أوطأ مطيّة ، ولا أربح لتاجر ، ولا أخفى لعائذ.
وقال الأصمعي : جنان الدّنيا ثلاث : غوطة دمشق ، ونهر بلخ ، ونهر الأبلة. وحشوش الدنيا خمسة : الأبلة ، وسيراف ، وعمان ، وأردبيل ، وهيت. وأما نهر الأبلة الضارب إلى البصرة ، فحفره زياد.
وحكي أن بكر بن النّطّاح الحنفي مدح أبا دلف العجلي بقصيدة ، فأثابه عليها عشرة آلاف درهم ، فاشترى بها ضيعة بالأبلة ، ثم جاء بعد مديدة ، وأنشده أبياتا :
بك ابتعت في نهر الابلة ضيعة ، |
|
عليها قصير بالرّخام مشيد |
إلى جنبها أخت لها يعرضونها ، |
|
وعندك مال للهبات عتيد |
فقال أبو دلف : وكم ثمن هذه الضيعة الأخرى؟ فقال : عشرة آلاف درهم ، فأمر أن يدفع ذلك إليه ، فلما قبضها قال له : اسمع مني يا بكر ، إن إلى جنب