بات فيهم الأعشى ، فأسر منهم نفرا فيهم الأعشى ، وهو لا يعرفه ، ورحل الكلبيّ حتى نزل بشريح ابن السموأل بن عادياء اليهودي صاحب تيماء ، وهو بحصنه الأبلق ، فمرّ شريح بالأعشى فناداه الأعشى :
شريح! لا تتركنّي بعد ما علقت |
|
حبالك اليوم ، بعد القدّ ، أظفاري |
قد جلت ما بين بانقيا إلى عدن ، |
|
وطال في العجم تسياري وتكراري |
فكان أكرمهم جدّا وأوثقهم |
|
عهدا ، أبوك بعرف غير إنكار |
كن كالسموأل ، إذ طاف الهمام به |
|
في جحفل كهزيع الليل جرّار |
بالأبلق الفرد ، من تيماء ، منزله |
|
حصن حصين وجار غير غدّار |
إذ سامه خطّتي خسف ، فقال له : |
|
قل ما تشاء ، فإني سامع حار |
فقال : ثكل وغدر أنت بينهما ، |
|
فاختر فما فيهما حظّ لمختار |
فشكّ غير طويل ، ثم قال له : |
|
اقتل أسيرك إني مانع جاري |
فاختار أدراعه كيلا يسبّ بها ، |
|
ولم يكن وعده فيها بختّار |
قال : فجاء شريح إلى الكلبي ، فقال : هب لي هذا الأسير المضرور. فقال : هو لك ، فأطلقه وقال له : أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك. فقال الأعشى : من تمام صنيعتك اليّ ، أن تعطيني ناقة ناجية وتخليّني الساعة. فأعطاه ناقة فركبها ، ومضى من ساعته ، وبلغ الكلبيّ أن الذي وهب لشريح هو الأعشى ، فأرسل إلى شريح : ابعث إليّ الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه ، فقال : قد مضى. فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه. وقال الأعشى : وهو زعم أن سليمان ابن داود هو الذي بنى الأبلق الفرد بعد أن ذكر الملوك الذين أفناهم الدهر ، فقال :
ولا عاديا لم يمنع الموت ماله ، |
|
وورد بتيماء اليهوديّ أبلق |
بناه سليمان بن داود حقبة ، |
|
له أزج عال وطيّ موثّق |
يوازي كبيدات السماء ، ودونه |
|
بلاط ، ودارأت ، وكلس ، وخندق |
له درمك في رأسه ، ومشارب ، |
|
ومسك ، وريحان ، وراح تصفّق |
وحور كأمثال الدّمى ، ومناصف ، |
|
وقدر ، وطبّاخ ، وصاع ، وديسق |
فذاك ولم يعجز من الموت ربّه ، |
|
ولكن أتاه الموت لا يتأبّق |
وقال السموأل يصف نفسه وحصنه :
لنا جبل يحتلّه من نجيره |
|
منيع ، يردّ الطّرف وهو كليل |
رسا أصله تحت الثّرى وسما به |
|
إلى النّجم فرع ، لا ينال ، طويل |
هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره ، |
|
يعزّ على من رامه ، ويطول |
الأبُلَّةُ : بضم أوله وثانيه وتشديد اللام وفتحها ، قال أبو علي : الأبلَّة ، اسم البلد. الهمزة فيه فاء ، وفعلّة