في قول بشر بن أبي خازم :
ألا بان الخليط ولم يزاروا ، |
|
وقلبك في الظّعائن مستعار |
أسائل صاحبي ، ولقد أراني |
|
بصيرا بالظّعائن حيث صاروا |
تؤمّ بها الحداة مياه نخل ، |
|
وفيها عن أبانين ازورار |
أبان : جبل معروف ، وقيل أبانين ، لأنه يليه جبل نحو منه يقال له شرورى ، فغلّبوا أبانا عليه ، فقالوا أبانان ، كما قالوا العمران لأبي بكر وعمر ، وله نظائر. ثم للنحويّين ههنا كلام أنا ذاكر منه ما بلغني. قالوا : تقول هذان أبانان حسنين ، تنصب النعت على الحال لأنه نكرة وصفت بها معرفة ، لأن الأماكن لا تزول ، فصار كالشيء الواحد ، وخالف الحيوان. إذا قلت هذان زيدان حسنان ، ترفع النعت ههنا ، لأنه نكرة وصفت بها نكرة ، وقالوا في هذا وشبهه مما جاء مجموعا : إن أبانين وما أشبهها لم توضع أولا مفردة ثم ثنيّت ، بل وضعت من المبتدإ مثنّاة مجموعة ، فهي صيغة مرتجلة ، فأبانان علم لجبلين ، وليس كلّ واحد منهما أبانا على انفراده ، بل أحدهما أبان ، والآخر متالع. قال أبو سعيد : وقد يجوز أن تقع التسمية بلفظ التثنية والجمع ، فتكون معرفة بغير لام ، وذلك لا يكون إلا في الأماكن التي لا يفارق بعضها بعضا ، نحو أبانين وعرفات ، وإنما فرقوا بين أبانين وبين زيدين من قبل أنهم لم يجعلوا التثنية والجمع علما لرجلين ولا لرجال بأعيانهم ، وجعلوا الاسم الواحد علما بعينه ، فإذا قالوا رأيت أبانين ، فإنما يعنون هذين الجبلين بأعيانهما المشار إليهما ، لأنّهم جعلوا أبانين اسما لهما لا يشاركهما في هذه التسمية غيرهما ، ولا يزولان ، وليس هذا في الأناسيّ ، لأن كلّ واحد من الأناسيّ يدخل فيما دخل فيه صاحبه ويزولان ، والأماكن لا تزول ، فيصير كل واحد من الجبلين داخلا في مثل ما دخل فيه صاحبه من الحال والثبات والجدب والخصب ، ولا يشار إلى أحد منهما بتعريف دون الآخر ، فصار كالواحد الذي لا يزايله منه شيء. والإنسانان يزولان ويتصرّفان ويشار إلى أحدهما دون الآخر ، ولا يقال أبان الغربيّ وأبان الشرقيّ.
وقال أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش : قد يجوز أن يتكلم بأبان مفردا في الشعر ، وأنشد بيت لبيد المذكور قبيل. قال أبو سعيد : وهذا يجوز في كل اثنين يصطحبان ولا يفارق أحدهما صاحبه في الشعر وغيره ، وقال أبو ذؤيب :
فالعين بعدهم كأنّ حداقها |
|
سملت بشوك ، فهي عور تدمع |
ويقال : لبس زيد خفّه ونعله ، والمراد النعلين والخفّين. قالوا : والنسبة إلى أبانين أبانيّ ، كما قال الشاعر :
ألا أيّها البكر الأبانيّ! إنّني |
|
وإياك في كلب لمغتربان |
تحنّ وأبكي ، إنّ ذا لبليّة ، |
|
وإنّا على البلوى لمصطحبان |
وكان مهلهل بن ربيعة أخو كليب ، بعد حرب البسوس ، تنقّل في القبائل حتى جاور قوما من مذحج يقال لهم بنو جنب ، وهم ستة رجال : منبّه ، والحارث ، والعلي ، وسيحان ، وشمران ، وهفّان. يقال لهؤلاء الستة : جنب ، لأنهم جانبوا أخاهم صداء ، فنزل فيهم مهلهل ، فخطبوا إليه ميّة أخته ، فامتنع ،