وزرعوها الأرز ، وتغلّب عليها في أوائل أيام بني بويه أقوام من أهلها ، وتحصنوا بالمياه والسفن ، وجارت تلك الأرض عن طاعة السلطان ، وصارت تلك المياه لهم كالمعاقل الحصينة إلى أن انقضت دولة الديلم ثم دولة السلجوقية ، فلما استبدّ بنو العباس بملكهم ورجع الحقّ إلى نصابه رجعت البطائح إلى أحسن النظام ، وجباها عمالهم كما كانت في قديم الأيام ، وقال حمدان بن السّحت الجرجاني : حضرت الحسين ابن عمرو الرّستمي ، وكان من أعيان قوّاد المأمون ، وهو يسأل الموبذان من خراسان ونحن في دار ذي الرياستين عن النوروز والمهرجان وكيف جعلا عيدا وكيف سمّيا ، فقال الموبذان : أنا أنبئك عنهما : إن واسطا كانت في أيام دارا بن دارا تسمّى أفرونية ولم تكن على شاطئ دجلة ، وكانت دجلة تجري على سننها في ناحية بطن جوخا ، فانبثقت في أيام بهرام جور وزالت عن مجراها إلى المذار وصارت تجري إلى جانب واسط منصبّة ، فغرقت القرى والعمارات التي كانت موضع البطائح ، وكانت متصلة بالبادية ولم تكن البصرة ولا ما حولها إلّا الأبلّة ، فإنها من بناء ذي القرنين ، وكان موضع البصرة قرى عاديّة مخوفا بها لا ينزلها أحد ولا يجري بها نهر إلّا دجلة الأبلة ، فأصاب القرى والمدن التي كانت في موضع البطائح ، وهم بشر كثير ، وباء فخرجوا هاربين على وجوههم ، وتبعهم أهاليهم بالأغذية والعلاجات فأصابوهم موتى فرجعوا ، فلما كان أول يوم من فروردين ماه من شهور الفرس أمطر الله تعالى عليهم مطرا فأحياهم ، فرجعوا إلى أهاليهم ، فقال ملك ذلك الزمان : هذا نوروز أي هذا يوم جديد ، فسمّي به ، فقال الملك : هذا يوم مبارك فإن جاء الله ، عز وجل ، فيه بمطر وإلّا فليصبّ الماء بعضهم على بعض ، وتبركوا به وصيروه عيدا ، فبلغ المأمون هذا الخبر فقال : إنه لموجود في كتاب الله تعالى ، وهو قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ، الآية.
باب الباء والعين وما يليهما
بُعَاثُ : بالضم ، وآخره ثاء مثلثة : موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية ، وحكاه صاحب كتاب العين بالغين المعجمة ، ولم يسمع في غيره ، وقال أبو أحمد السكّري : هو تصحيف ، وقال صاحب كتاب المطالع والمشارق : بعاث ، بضم أوله وعين مهملة ، وهو المشهور فيه ، ورواه صاحب كتاب العين بالغين وقيده الأصيلي بالوجهين ، وهو عند القابسي بغين معجمة وآخره ثاء مثلثة بلا خلاف ، وهو موضع من المدينة على ليلتين ، وقال قيس بن الخطيم :
ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا |
|
إلى نسب ، من جذم غسّان ، ثاقب |
وكان الرئيس في بعض حروب بعاث حضير الكتائب أبو أسيد بن حضير ، فقال خفاف بن ندبة يرثي حضيرا وكان قد مات من جراحه :
فلو كان حيّ ناجيا من حمامه |
|
لكان حضير يوم أغلق واقما |
أطاف به ، حتى إذا الليل جنّه |
|
تبوّأ منه منزلا متناعما |
وقال بعضهم : بعاث من أموال بني قريظة ، فيها مزرعة يقال لها قورا ، قال كثيّر عزّة بن عبد الرحمن :