فلما كثروا بنى رهط منهم فيها سبع دساكر من لبن ، منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان ، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيه ، فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه ، فأذن له ، فاستخلف مجاشع بن مسعود السّلمي على جنده ، وكان عتبة قد سيّره في جيش إلى فرات البصرة ليفتحها ، فأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى أن يرجع ، قال : ولما أراد عتبة الانصراف إلى المدينة خطب الناس وقال كلاما في آخره : وستجرّبون الأمراء من بعدي ، قال الحسن : فلقد جرّبناهم فوجدنا له الفضل عليهم ، قال : وشكا عتبة إلى عمر تسلّط سعد عليه ، فقال له : وما عليك إذا أقررت بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟ فامتنع من الرجوع فأبى عمر إلّا ردّه ، فسقط عن راحلته في الطريق فمات ، وذلك في سنة ست عشرة ، قال : ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة أنّ دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة ، وكان عتبة قد غزاها وفتحها ، فسار إليه المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله ، وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه ، فدعا عمر عتبة وقال له : ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا؟ قال.
نعم ، قال : فإنّ المغيرة كتب إليّ بكذا ، فقال : إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع ، فقال عمر : لعمري إن أهل المدر لأولى أن يستعملوا من أهل الوبر ، يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف ، وهي مدينة ، وبأهل الوبر مجاشعا لأنه من أهل البادية ، وأقرّ المغيرة على البصرة ، فلما كان مع أمّ جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا ، استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري ، أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه ، وقيل : كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها ، وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة ، وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن ، وكذلك دار الإمارة ، وكان المنبر في وسطه ، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطّى رقابهم إلى القبلة ، فخرج عبد الله بن عامر بن كريز ، وهو أمير لعثمان على البصرة ، ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبّة خزّ دكناء ، فجعل الأعراب يقولون : على الأمير جلد دبّ ، فلما استعمل معاوية زيادا على البصرة قال زياد : لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس ، فحوّل دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحوّل المنبر إلى صدره ، فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحدا ، وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج ، فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه إلّا دقة الأساطين ، قال : ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب ، وفيه يقول حارثة ابن بدر الغداني :
بنى زياد ، لذكر الله ، مصنعه |
|
بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين |
لو لا تعاون أيدي الرافعين له ، |
|
إذا ظنناه أعمال الشياطين |
وجاء بسواريه من الأهواز ، وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثّقفي فظهرت له أموال وحال لم تكن قبل ، ففيه قيل :
يا حبّذا الإماره |
|
ولو على الحجاره |