بعض قتلا ، وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضا ، ونزلوا السّفن وعبروا إلى الجانب الآخر وانتهى إلينا النساء ، وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم وأموالهم وسألناهم : ما الذي هزمكم من غير قتال؟ فقالوا : عرّفتنا الديادبة أن كمينا لكم قد ظهر وعلا رهجه ، يريدون النساء في إثارتهن التراب. وذكر البلاذري : لما دخل المسلمون الأبلّة وجدوا خبز الحوّارى فقالوا : هذا الذي كانوا يقولون إنه يسمّن ، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون : ما نرى سمنا ، وقال عوانة بن الحكم : كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد ، فلما قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزدة تحرّض المؤمنين على القتال ، وهي تقول : إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف ، ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسب ويكتب إلا زياد فولّاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين ، وهو غلام في رأسه ذؤابة ، ثم إن عتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال : إنه لا بدّ للمسلمين من منزل إذا أشتى شتوا فيه وإذا رجعوا من غزوهم لجأوا إليه ، فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته ، فكتب إلى عمر : إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة في طرف البرّ إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. والقضّة من المضاعف : الحجارة المجتمعة المتشقّقة ، وقيل : ارض قضّة ذات حصّى ، وأما القضة ، بالكسر والتخفيف : ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل ، وقال الأزهري : الأرض التي ترابها رمل يقال لها قضّة ، بكسر القاف وتشديد الضاد ، وأما القضة ، بالتخفيف : ، فهو شجر من شجر الحمض ، ويجمع على قضين ، وليس من المضاعف ، وقد يجمع على القضى مثل البرى ، وقال أبو نصر الجوهري : القضّة ، بكسر القاف والتشديد ، الحصى الصغار ، والقضة أيضا أرض ذات حصّى ، قال : ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال : هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب ، فكتب إليه أن أنزلها ، فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم ، وكانت تسمّى الدهناء ، وفيها السّجن والديوان وحمّام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء ، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا بناءه كما كان. وقال الأصمعي : لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة ، وهو أول مولود ولد بالبصرة ، فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة ، وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستّة أشهر ، وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال : هذه أرض نخل ، ثم غرس الناس بعده ، وقال أبو المنذر : أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني ، وقد روي من غير هذا الوجه أنّ الله عزّ وجل ، لما أظفر سعد بن أبي وقّاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند ، فإن له من الإسلام مكانا وقد شهد بدرا ، وكانت الأبلّة يومئذ تسمّى أرض الهند ، فلينزلها ويجعلها قيروانا للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحرا ، فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة ، فلما افتتح الأبلّة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم ، وكانت خيمة عتبة من أكسية ، ورماه عمر بالرجال